نحن في السودان كغيرنا من الشعوب كلما انقضى زمن وعهد ، نرفع عقيرتنا بالصياح ونترحم على الزمن الذي مضى وفي عهد الإنقاذ الذي ترفرف فيه صقور بأجنحتها المكسوره ومناقيرها الحادة في الكلام فإن 99 في المائة من أهل السودان يترحمون على العهود الماضية ، إذن السؤال اللئيم لماذا يهرب الانسان دائما الى الماضي ، في عرف الناس كل شيء في الماضي جميل وله رونق ، الصحة قبل عدة عقود كانت عال العال ، لم نكن نسمع بهجمة الامراض كما هو الحال في الراهن ، فشل كلوي ، تصلب شرايين ،التهاب كبدي فيروسي ، التهاب كبدي وبائي ، وأورام خبيثة أجاركم الله منها ، أذكر اننا كنا نشرب من مياه الترع التي تتمردق فيها الابقار والاغنام ، والصحة بمب امسكوا الخشب ، وصلوا على النبي ، الآن اتحدى أي شخص يشرب من ترعة راكدة ، بعد يومين سيكتشف المسكين أنه مصاب بسلسلة من الأمراض المستعصية ، نغمة الحنين الى الماضي ليست معزوفة سودانية بحته وانما هي نغمة عالمية حتى الأمريكان يحنون الى ماضيهم ، فالزمن لا يبقي في الذاكرة الا على الاشياء الجميلة ، حتى شهر رمضان رغم ان الناس كانت تعاني فيه اكثر من الوقت الحاضر الا انك تجد من يحن الى رمضان في ايام زمان ، ايام المسحراتي والذي منه ، كما تجد البعض يحن الى الشاي المصنوع بواسطة الحطب أو حتى الاكل في الاواني الفخارية ، فالماضي بالنسبة للكثيرين ، خلاصة للحميمية الفنان عثمان اليمني لديه اغنية تتحدث عن الزمن الجميل حينما كانت البيوت متجاورة والرجل يشمر عن ساعديه لنجدة جاره ، ايام قدح الطعام واحد ، والمشاعر واحدة ، والنفوس متضامنة في السراء والضراء ، الان ربما تجد من يشمت في مصائب جاره وينشر غسيل هذا الجار للماشي والغاشي ، في بعض دول العالم يعتبرون ان فترة الثلاثينيات من القرن الماضي كانت بمثابة الزمن الجميل وفي مصر لا يزال بعض كبار السن يحنون الى فترات الاربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين ولدينا في السودان يتحدث الناس بحميمية مفرطة عن فترة الستينيات باعتبارها من الزمن الجميل ، خبراء التاريخ البشري يرون أن الزمن هو الزمن سواء في الماضي أو الحاضر وأن مصطلح الزمن الجميل مجرد وهم عشعش في الاذهان ، واصبح نغمة تكررها الاجيال ، وان لكل زمن مباهجة وفتراته العصيبة ، أي كما رددت المطربة التونسية الراحلة ذكرى « يوم ليك ويوم عليك مش كل يوم معاك « ، اذا نظرنا الى الماضي نجد أن به مصائب يشيب من هولها الفرسان ومن مصائب الماضي أن نيرون قتل زوجته و أمه وحرق روما ، الشيء المختلف بين الماضي والحاضر أن الحسد والفساد والكراهية وانتشار الحروب إستشرى في هذا الزمان الرديء ، لكن في المقابل ففي الراهن فإن الحكومات تعذب شعوبها وتسحلهم في التراب ، وفي الراهن بشار أسد النعجة أصبح بمثابة نيرون العصر ، وفي الراهن فإن إيران قاتلها الله تسعى للفتنة بين المسلمين ، المهم أخشى أن يأتي يوما يردد فيه الناس قول الشاعر « رب يوم بكيت فيه ولما انقضى بت أبكي عليه « قول للزمان أرجع يا زمآآآآآآآآآآآآآن .