السودان يشد حزام الاستنفار الوطني وعينه لا تنفك ترقب بنيه.. السودان لا ينتظر إلا الخُلص الأحرار.. السودان لا يعترف إلا بالأوفياء.. السودان ينادي حي على الفلاح، ولا فلاح إلا عبر الحوار الشعبي الشامل بلا قبلية، ولا حزبية، ولا جهوية، ولا طائفية ، الحوار الذي يخرج السودان من مصائد الصهاينة وسدنتهم.. الحوار الذي لا يعترف إلا بالتراضي الوطني الحق. سادتي القراء: الحديث عن الحوار يطول ويمتد، فهو المخرج الوحيد لما نحن فيه من أزمات و (استهداف) دعوني أقف بكم سادتي عند هذه الكلمة التي ينشط ذكرها عقب كل أزمة تعترينا، وأفندها وأقرن أبعادها ومضامينها بحوارنا الشعبي.. قد نرى هذه المرة الأحداث بطريقة مختلفة علنا نستطيع أن نجد المخرج.. من المعلوم أن الذئاب عندما تود مهاجمة قطيع لا تستهدف إلا الضعيف أو المريض أو الصغير أو (القاصي).. فإذا سلمنا بأننا مستهدفون فهذا تلقائياً يجعل منا ذلك القطيع وقواصيه، فمن ينظرون الينا بطمع ما هم إلا شخوص يعلمون علم اليقين بأننا نمتلك القدرات البشرية ذات التأثير العالي وبشهادة التاريخ، والخيرات الربانية التي تنوء مفاتيحها بالعصبة أولى القوة وتحسسوا فينا ما اشتمته تلك الذئاب في ذاك القطيع، فنشطت مطامعهم فلنتقى شرهم بالتراضي الذي يفضي إلى حوار، فالحوار الشعبي الشامل هو العلاج الناجع الذي يتصدى بالتأكيد لأطماع الآخرين. والحوار الشعبي الشامل هو العلاج الناجع لمن يسمى بالطابور الخامس، والحوار الشعبي الشامل هو العلاج لإفشال مخطط كل من يحلم بتفكيك السودان إلى دويلات، ولا شيء سوى الحوار فهل من مدكر؟. سادتي القراء: كنت قد طرقت هذا الباب من قبل، وذلك لإدراكي التام وثقتي الكبيرة في قيمة ما أدعو إليه واستشهدت بتجارب بعض أرباب هذا الباب في مقالي السابق (يسألونك عن الوطن).. وعلى امتداد ما ذكر آنفاً تعد كل اللقاءات التي دارت إبان فترتي الاستقلال وأكتوبر عبارة عن تلاقي وطني صادق، توحدت فيه الإرادة والهدف مما أدى إلى نتائج إيجابية، أما ما يدور بين الحكومة والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وأدى إلى مشاركة الأخير في السلطة يعد أيضاً حوار. ومبادرة رئيس الجمهورية (ملتقى أهل السودان) لحل أزمة دارفور والتي جمعت كل فئات المجتمع السوداني والتي انبثقت منها كثير من الإتفاقيات والحوارات الدارفورية، والتي نتجت عنها وثيقة الدوحة التي نجحت في خلق قفزات عالية لأهل دارفور تعد حواراً.. ودعونا لا ننسى قاصمة الظهر (نيفاشا) والتي لم تفضي إلى السلام المنشود تلك أيضاً كانت حواراً.. وما تم بين الحكومة وبعض الأحزاب الأخرى التي سميت بأحزاب الوحدة الوطنية فيما بعد، فحقيقة لا أدري هل تسمى فعلاً حوارات أم تفاهمات أم ترضيات. سادتي القراء.. الحوار ليس مجرد محطة يستظل تحتها عابر سبيل، وإنما هو تلك الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين، فيجب أن نستظل بها على الدوام لكي لا نكوي بنيران التشظي والحروب، ولكي يتحقق مبدأ الحوار وهدفه لابد لنا أولاً أن نوجد له أرضية ثابتة ألا وهي الثقة المتبادلة بين المتحاورين، وذلك بأن تؤمن أطراف الحوار بمقولة (رأيي صواب يحتمل الخطأ.. ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).. أما في الثوابت الوطنية نزيد على ما قد أسفلنا ذكره بوجوب أن تضع الأطراف المتحاورة الوطن نصب أعينها لا المناصب. الجدير بالذكر أنني كنت قد حضرت برنامجاً بالتلفزيون القومي قبل أيام يحمل عنوان «الحوار الوطني الواقع والتحدي» استضاف الدكتور مندور المهدي القيادي بحزب المؤتمر الوطني، وحوى اللقاء الكثير من الأطروحات أعدها الأقيَّم من نوعها، لأنها أتسمت بالموضوعية في كثير من الأحيان والشجاعة.. ومن هذا المقام أسمحوا لي أن أهنئ مقدم البرنامج وطاقمه وضيفه على هذا النوع من التداول، والذي بحق نحن أحوج ما نكون إليه، كما أنظر بتفاؤل لتناول الإعلام للحوار الوطني، فقط عليه أن يثابر على استضافة أعلام حزبية من فصائل مختلفة، ومفكرين لكي يتحقق هدف البرنامج ليفضي بحق إلى حوار وطني يحقق الأهداف الوطنية. ولكن.. وبالرجوع إلى مضابط ذلك اللقاء فقد وصف الضيف الأحزاب العتيقة بأنها قائمة على الطائفية والقبلية.. نعم أن الأحزاب العريقة تعتمد بدرجة كبيرة في عضويتها على طائفتي الختمية والأنصار، وكثير من الطرق الصوفية التي استقطبها حزب المؤتمر الوطني.. ولكن لم يكن للقبلية يوماً دور في تركيبة تلك الأحزاب وإنما ظهر دورها في الخارطة السياسية الجديدة.. إما بالنسبة لمسألة ابتعاد الأحزاب عن قواعدها فيرجع ذلك إلى قصر فترة الحكم الديمقراطي، وطول فترة الحكم الشمولي الذي القى بظلاله على تلك الأحزاب بأن حجب تواصلها بجماهيرها.. وبالتالي غابت كوادر كان من المؤمل أن تكون هي القيادات الجديدة في تلك الأحزاب.. هذا بالإضافة إلى تشظي تلك الأحزاب وهذا الأخير أسهم بقوة في إضعافها وتشتيت قواعدها، بالإضافة إلى أطماع أو (تطميع) الكثيرين من قيادات تلك الأحزاب في الوظائف بالدولة.. مما نأى بهم بعيداً عن أهدافهم الحزبية الأصيلة أو إضعافها، وذلك من أكثر العوامل التي أضعفت الأحزاب أما أهم عامل أسهم في تقزيم تلك الأحزاب، كان تفكيك الدوائر الجغرافية، فتلك الأخيرة هي من قصمت ظهور تلك الأحزاب وتبعثرت الأصوات بين تلك الدوائر الانتخابية، وانتقل جزء إلى حزب المؤتمر الوطني، وكره البعض السياسة ولزم داره، وهذا هم جواب أين هؤلاء الملايين. نحن رغم جراحاتنا الحزبية الكبيرة إلا أننا لن نألوا جهداً لتلبية الوطن وعليه ندعو أنفسنا وكل من هو حادب على مصلحة هذا الوطن أن يضع أهدافه الخاصة بعيداً ويلبي نداء وطنه.. فكلنا أبناؤه ولنا رؤى وطنية حول كل ما يدور فيه، فنحن لنا رؤية حول كل ما يدور في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور.. ولنا رؤية حول أزمة المسيرية ودينكا نقوك.. وحول طبيعة علاقتنا بدولة جنوب السودان على الأخص وكل دول الجوار.. ولنا رؤية حول أبعاد سد النهضة إيجاباً.. وسلباً.. وأخيراً لنا رؤية حول الدستور الذي نريد وندعو الوطنيين الخُلص لحوار جاد وصادق لنخرج السودان إلى بر جديد من الإنفراج. ربنا أفتح بيننا وبين قومنا بالحق