لما أنحينا باللائمة في مقال الأمس على مواقف الإسلاميين في مصر بعد عام من الحكم وقرنا ذلك أيضاً بما يجري في السودان.. لم نكن نشك في خيانة العلمانيين وفلول النظام الناصري وضعاف النفوس والعقول في المؤسسات العسكرية وفي المصالح الحكومية وفي الإعلام الناصري البغيض الذي ظل ستين عاماً لا يحرك ساكناً ولا يوميء مجرد إيماءه بالنقد للنظام الذي قتل وشرد وسجن وعذب وخان الوطن وخان وخان الدين وخان الأمة ومالأ أعداءها وحالفهم.. وجعل من نفسه ومن شعبه حامياً ومدافعاً عن إسرائيل وعن الديمقراطية والكفر والفجور والفسوق ومعصية الله. لقد كان حجم الابتلاء الناصري الكريه على الأمة أكبر وأعظم وأخطر مما يصوره الفعل أو يتحمله الضمير... أما أنور السادات وحسني مبارك فلم يكونا أكثر من صبيين في المؤسسة الناصرية الإرهابية العظمى.. وتصرفا فعلاً تصرف الصبية عندما تؤول إليهم تركة بهذا الحجم وهذا الخطر.. وهذه القذارة.. أما الآن وبعد أن تحول الديمقراطيون إلى انقلابيين وتحول الإسلاميون إلى مدافعين عن الديمقراطية ودخلت مصر كلها في نفق ضيق ومظلم.. بدأت رحلة العودة إلى اليقين.. وإلى العقل وإلى الصواب.. تقول الأخبار إن الانقلابيين أصبحوا اليوم في حالة ارتباك شديد.. وذلك بعد خروج المسيرات المؤيدة لمرسي في جميع أنحاء مصر مما قدر بما لا يقل عن ثلاثين مليوناً من المتظاهرين الذين ينددون بالانقلاب والسيسي ومن ظاهره من أهل الباطل وكاد ميدان التحرير يخلو من المعتصمين.. بينما كان ميدان رابعة العدوية مكتظاً بمئات الآلاف من الغاضبين. وبدأت الصورة الحقيقية لمصر تظهر وتستعلن. وكان لابد من هز ة وصدمة.. ومحنة.. بدأ الصوت الإسلامي.. والنبرة الإيمانية.. وتمايز الحق عن الباطل .. بدأ ذلك كله في الظهور والشموخ. وجدي غنيم... يعلن صراحة بأن السيسي خان وأنه عض اليد التي امتدت له.. وأن الجيش لن يخون وأن الشرطة لن تخون.. وقال إن الذين خانوا كانوا قلة وإن الإسلاميين لن يستسلموا.. ولن ينسحبوا من الميادين. ولأول مرة يعلو الصوت الإسلامي بالحقائق والأرقام.. قال وجدي غنيم إن ثورة (25) يناير جمعت كل أهل مصر.. الإسلاميين والعلمانيين والنصارى وجميع الذين أبغضوا النظام الناصري الكريه.. وإنهم تحملوا بعضهم البعض لهذا السبب. وقال الآن تمايزت الصفوف.. والمعتصمون في رابعة العدوية مستمرون في اعتصامهم في أمن وأمان ودعة وسلام وتهليل وتكبير وصلوات.. بينما كان المعتصمون في ميدان التحرير يرفعون الصلبان ولا تهليل ولا تكبير ولا صلاة.. بل رصدت الجهات أكثر من (30) حالة اغتصاب في الميدان وانتشرت المخدرات وسط الشباب والشابات ورفعوا صور حسني «حمارك» كما يقول الشيخ وجدي غنيم. وارتبكت صفوف وخرجت حركة «تمرد» تستعين بالفلول والعلمانيين بالخروج للتظاهر رداً على مظاهرات وجموع الإسلاميين.. واعترض حزب النور على ترشيح البرادعي لرئاسة الوزارة وأورد الإعلام زلة لسان أحمد شفيق المرشح الرئاسي المصري الخاسر الذي قال لقناة دريم إنه يجب الإسراع بإسقاط نظام مرسي قبل التوقيع على عقود محور قناة السويس. وهذا يدخل في إمارة دبي.. بل الإمارات كلها لاعباً قذراً في حلبة الصراع المصري- المصري. ويطالب عميد بالحرس الجمهوري مؤيدي مرسي بالصمود لمدة (48) ساعة يعود بعدها مرسي للرئاسة وتجتمع شورى العلماء وترفض نخبة مرسي وتطالب بإعادته إلى السلطة لأنه الرئيس الشرعي وترفض مقابلة الانقلايين.. بل أصدر المجلس بياناً بمطالبة وأولها عودة الرئيس محمد مرسي الرئيس المنتخب إلى مكانه رئيساً للبلاد. والذي يلون الساحة السياسية بالحق والجهاد والصبر والمصابرة الإعتداءات المتكررة على مقار الإخوان وحرقها وقتل العشرات منهم.. بل وسحل بعضهم في الشوارع مما عرضته أجهزة الإعلام.. ولازال يظهر فيها. ودخلت أيضاً هيئة إسلامية أخرى «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» ورفضت الانقلاب وقالت إنه يؤدي للاستبداد ورفضت استهداف القيادات الإسلامية ورفضت إغلاق القنوات الدعوية.. وأكدت أن الذي يجري الآن صراع بين حق وباطل.. وأصدرت الهيئة بياناً ضافياً بهذه المطالب. في ذات الوقت هاجم الشيخ عبد الخالق عبد الرحمن حزب النور السلفي لوقوفه مع الانقلاب وركز هجومه على د. ياسر برهامي رئيس الحزب، واعتبر د. عبد الخالق أن حزب النور نقض بيعته للرئيس مرسي وشبهه بالخوارج الذين نقضوا بيعتهم لسيدنا عثمان بن عفان. وسمى عملهم هذا خيانة للأمانة وهي ذات العبار التي استخدمها وجدي غنيم في حق الفريق السيسي. الشاهد على كل هذا- وغيره كثير- أن الأمر في مصر قبل انقلاب السيسي كان ملتبساً ومدغمساً وكان الناس يسيرون في عماية وعمه وظلمات. أما بعد الانقلاب عاد الوعي وعاد العقل وعاد الرشد وعاد الصواب وعاد التمايز وعاد الإيمان وارتفعت مفردات الحق والصدق. والارهاصات تقول إن الإسلاميين في حق يمسكون بمفاصل الدولة والمجتمع وإن السيسي ليس لديه إلا ورقة فلسكاب ومايكرفون.. ثم لا شيء.. لا شيء.. لا شيء. إن الإسلاميين يجب أن يعلموا أن التمايز هو طريقهم ودربهم ولن يصلوا إلى الله إلا بالتمايز والتفرد.. والتوبة إلى الله.