قصة الثلاثة من السلف الصالح الذين انطبقت عليهم الصخرة داخل الغار معروفة لدى الكثير منا، وربما كانت أبرز الدروس المستفادة منها إن الله سبحانه وتعالى يستجيب لدعاء المضطر، سيما عند توسل الأخير لجلاله بأعمال خيرٍ ومعروف قدمها العبد آنفاً ابتغاء لمرضاته تعالى.. والناظر لحال بلادنا اليوم يجزم بلا أدنى شك بأن مفردة «الاضطرار» قد لا تكون بليغة بالقدر الكافي الذي يصف حال ما نعانيه من تردي على كافة المناحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية..!! ولا يخفى علينا أن كل هذه الجوانب متكاملة متداخلة متقاطعة، بحيث أن فساد أحدها يؤدي بالضرورة إلى التأثير السلبي في الجوانب الأخرى لدى المجتمع المعني.. وعواصف الشتاء العربي التي عملت من حولنا على اقتلاع العديد من الأنظمة الموصومة بالفساد لم تفلح بعد تماماً في استتباب المناخ الملائم للشعوب لكي ما تمارس حياتها بصورة هانئة مستقرة، فبرغم حتمية التغيير التي تقتضيها طبيعة الحياة وناموس الكون، يظل هناك دائماً سؤال ملح يبرز في شدة: وماذا بعد التغيير؟؟ والدول العربية التي كانت مسرحاً للتغيير لم تستطع بعد الإجابة على هذا السؤال..على الأقل حتى لحظة كتابة هذه السطور..ولكن حتماً هناك ما يحمل الإجابة لمثل هكذا تساؤل.. ففي الكتاب العزيز الذي ما فرط الله فيه من شيء، تأتينا البشريات بموعود الله الحق بأن: «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض». إذا.. فبركات السماء والأرض تشمل بالضرورة الأمن والطمأنينة والحياة الهانئة الكريمة، والاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي، ولكنها لن تتحقق إلا بتحقق الشرط المذكور بالآية الكريمة، وهو الإيمان والتقوى.. ولعل من أبرز موجبات التقوى لدى النفس المؤمنة طاعة الصيام بكل ما يحويه من أسرار روحية، وما يكتنز به من المعاني الظاهرة والخافية ، حيث يقول تعالى في كتابه الكريم: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون». الصيام الحقيقي مكتمل الأركان والشروط هو قرين ملازم للتقوى، والصائم يكون في واحدة من أجمل حالات الاضطرار والانكسار التي توجب الاستجابة من المولى عز وجل لدعائه، ولذلك يقول تعالى خلال آياته عن الصوم والصائمين: «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان..» ويفهم من السياق المتصل للآيات بأن دعوة الصائم مستجابة ولا ترد.. فلم لا نغتنم هذه السانحة لتمرير أجندتنا المستعصية التي نجأر منها بالشكوى؟؟ لم يقتصر دعاء الصائمين على النفس والأهل والولد، بل يتعداهم وفقاً لرؤية إستراتيجية ذكية وشاملة تشمل البلاد وكل الأمة الإسلامية للخروج بها من مزالق الأزمات الطاحنة والمحن والمآزق؟؟ لم لا نحشد الألسن في مسيرات ذكر هادرة تجأر بالدعاء والتضرع في ميادين «التحرر» من ربقة النفوس المظلمة الموبوءة بالفساد والتردي؟؟ بوسعنا تقليص خطة ال(100) يوم إلى (30) يوماً فحسب نحدث خلالها انقلاباً شاملاً على المفاهيم السلبية، والعادات الشائنة، والسلوك المتخلف.. بمقدورنا خلال هذا الشهر الفضيل أن نثور على ذواتنا في ربيع التوبة والإنابة، ونجدد البيعة والولاء للملك الديان، ونسلمه قائمة من الدعاء مبللة بدموع الانكسار والخضوع، تحوي استغفارنا وجميع مطالبنا.. نسأله تعالى أن يولي أمورنا خيارنا ويخيب مسعى المفسدين، وأن يقينا شرور الربا والدائنين، وأن يُهطل علينا وعلى بلادنا وابلاً من الخيراتِ والبركاتِ واليقين...... نسأله تعالى أن ينصرنا على ذواتنا ويكبح جماح شهواتنا ويتغاضى عن نزواتنا ويغفر هفواتنا إنه هو الغفور الرحيم.. نسأله تعالى أن يرفع عنا البلاء والغلاء وجشع السوق ومجالس الفسوق.. وأن يظلنا بظل رحمته ورأفته طوال أيام رمضان وما بعده من سائر الشهور والأزمان.. أخي الصائم..حقاً هي فرصة قد لا تأتيك في العام القادم.. وظّف صيامك في التضرع لله تعالى وسترى كيف سيغدو حالك في الدنيا والآخرة. ü فارس إدريس يونس ü - بحري