ثم نأتي الى إحدى أهم الوقائع في حياة أمة الإسلام، وهي موقعة عين جالوت.. وهي ليست كذلك بالنسبة لأنه الإسلام.. بل هي من أهم معارك الدنيا بأسرها.. إنها المعركة التي انهزم فيها التتر هزيمة منكرة لم تقم بعدها لهم قائمة. إنها معركة عين جالوت بدأت دولة التتار على حدود الصين عام 603 ه، وذلك في منغوليا بقيادة أكبر سفاحي العالم «جنكيز خان»، وقد ضمت امبراطورية هذا المجرم الكوني منغوليا والصين وكوريا وكمبوديا وتايلاند.. وتقدم غرباً واجتاح الممالك الإسلامية كلها مملكة مملكة، حتى أنه في حدود عام 616 استطاع احتلال العالم الإسلامي كله من الصين غرباً الى العراق، وفي تضاعيف هذا الزحف سقطت دولة الخلافة الإسلامية على يد أحد قادته «هولاكو» وبمساعدة الوزير الشيعي الرافضي الخبيث ابن العلقمي، وقتل الآلاف من العلماء والقادة والزعماء، وأحرقت المكتبات والقيت الدفاتر والنفائس في نهر دجلة، والقيت الكتب حتى تغير لون النهر من المداد. استمر الزحف المغولي التتاري حتى بلغ ارمينيا وجورجيا والشيشان وأطراف روسيا وأجزاء من إيران، وكانت الإبادة للسكان تكون كاملة لا تدع رجلاً ولا امرأة.. وتقدموا الى أوربا واحتلوا روسيا كلها وأكرانيا وبولندا والمجر وكرواتيا.. وفي عام 656ه سقطت بغداد وسقطت دولة الخلافة، وقتل الخليفة المعتصم بالله، وقتلوا ما لا يقل عن مليون مسلم.. رغم كل هذا برزت مصر الى ميدان المعركة وكانت مصر تحت حكم المماليك، وكان حاكمها آنذاك سيف الدين قطز- واسمه الأصلي محمود بن ممدود- قتل التتار أسرته واسترقوه وباعوه رقيقاً حتى وصل الى الملك المعز عز الدين آيبك.. والغريب أن التتار هم الذين لقبوه بقطز، ومعناها عندهم الكلب الشرس. كان قطز رجلاً عاملاً وحكيماً وشجاعاً وشديد الغيرة على الدين، وعلى الأمة وكان هو في الأصل من بيت ملك.. لذلك لما رأى تلاعب الأمراء بالسلطنة جمع العلماء واستشارهم وبموافقتهم أعلن نفسه سلطاناً على مصر، واستعان قطز بالعلماء لإحياء الأمة وبث روح الجهاد فيها، وفي تصاريف الأقدار أن من بين العلماء في مصر بل سلطان العلماء في مصر آنذاك لم يكن سوى عز الدين بن عبد السلام بائع الملوك وسلطان العلماء، وجهز الجيش وتراصت الأمة كلها خلف السلطان قطز، والتقى الجيشان، وفي عين جالوت يوم 25 شعبان من تلك السنة 658.. وهزم المغول شر هزيمة وهربوا من أمام الجيش المسلم بقيادة الملك الشاب الذي لم يمر على تسلمه للملك إلا أقل من عام واحد، ومرة أخرى تجمع الجيش المغولي في بيشان ونظموا صفوفهم وتلقوا جيش المسلمين بجحافلهم وكتائبهم، وثبتوا ثبات الجبال، وكان المسلمون قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة، إلا أن القائد البطل قطز لما رأى بوادر الهزيمة وقف وسط جموع الجنود المسلمين وصاح بأعلى صوته وا اسلاماه.. وا اسلاماه.. وا اسلاماه.. وكانت صيحة أخرى ألهبت المشاعر وجددت القوة والحمية، وشد المسلمون شدة عظيمة كان من نتائجها تلك الهزيمة النهائية التي أنقذت البشرية من المغول ومن شرورهم وآثارهم، وقتل الجند المغول عن آخرهم حتى لم يبق منهم أحد. وهذه إحدى الأيادي الطوال التي يمتن بها المسلمون على الدنيا بأجمعها إذ إن المغول كانوا يعتقدون إنهم خلقوا من سخط الرب ومن غضبه وأنه أرسلهم ليقتلوا ويدمروا ويفنوا البشرية عن آخرها، لذلك كان سلوكهم مع أعدائهم في غاية البربرية، وفي منتهى الوحشية لا يفرقون بين دين ودين ولا بين جنس وجنس، لم يبق أحد على ظهر الأرض لم ينل منه شرهم وغلوائهم،، لكن القائد الاسطوري لم يعش بعد انتصاره المدوي إلا أياماً معدودات فقد تآمر عليه رهط من المماليك وقتلوه، وزعموا أنه مات من جرح أصابه في المعركة، ونظر الى مدة حكمه فإذا بها لم تمتد لأكثر من عام واحد من 657ه الى 658ه ولكنه كان عاماً يساوي ألف عام وحاكماً يساوي ألف حاكم.