مواصلة لما بدأناه من دراسة نقدية لقانون الانتخابات القومية لسنة 2008م، نتناول اليوم النصوص المتعلقة بالمفوضية القومية للانتخابات، وفي مقدمتها المادة (6) في شأن تكوين المفوضية وعضويتها. ü وفق هذه المادة، فالمفوضية تتألف من تسع أعضاء، هم رئيس ونائب رئيس متفرغان، وسبع أعضاء غير متفرغين، والاختيار والتعيين يكون بوساطة رئيس الجمهورية، زائداً موافقة ثلثي جميع أعضاء المجلس الوطني، وقبل إنفصال الجنوب كانت موافقة النائب الأول حتمية، بيد أن هذا القيد سقط مع سائر النصوص الدستورية المتعلقة بالجنوب، عقب إختيار الجنوبيين للإنفصال، ولكن شروطاً أخرى بقيت، وأهمها «مراعاة إتساع التمثيل ليشمل تمثيل المرأة والقوى الاجتماعية الأخرى». ü الأصل في إختيار أعضاء المفوضية، هو المادة «141» من الدستور الإنتقالي الحالي، ولقد خالف المشرع الدستوري العرف المعمول به في صياغة الدساتير، عندما أوغل في التفاصيل وغرق في الجزئيات، إلى درجة تحديد عدد الأعضاء بتسعة، وكان الأجدر به ترك التفاصيل للقانون، لإضفاء مرونة على النص، إذا ما إستجدت ظروف وطواريء تقتضي زيادة العدد أو إنقاصه، ولقد كان جمود وحرفية المادة 141 عائقاً أمام تقليص عضوية المفوضية، عندما شرعت الدولة في تنفيذ خطة تخفيض شاملة للنفقات والمواقع السيادية، خاصة بعد إنفصال الجنوب، وإنتفاء الحاجة إلى وجود مؤسسات ومفوضيات كبيرة الحجم نسبياً، كمفوضية الإنتخابات، ومجلس شؤون الأحزاب، والمحكمة الدستورية، والذي نراه أن تنتهز سانحة أول تعديل للدستور أو استبداله، بالتخلص من هذه التشوهات، وترك الجزئيات للقانون، وإلى أن يتم ذلك فلامندوحة من الصبر على نص المادة (6) الحالي في القانون على علاته، إلى أن يستقيم العود أولاً وهو الدستور، ثم نصلح إعوجاج الظل في القانون لاحقاً. ü الملاحظة الثانية أن الدستور لم يشر- في المادة 141- إلى ضرورة موافقة المجلس على اختيار رئاسة الجمهورية للأعضاء، لكن هذا الشرط ورد في قانون الانتخابات، ولا نريد أن نتوه في صحة وسلامة إدخال القانون لتعديل جوهري على نص دستوري، خاصة وأننا نؤيد بشدة إشراك المؤسسة التشريعية في إعتماد ترشيحات رئيس الجمهورية لعضوية المفوضية القومية، ففي ذلك اضفاء ثقل دستوري وسياسي على عملية الاختيار، وتأكيد لدور نواب الشعب وممثليه في شأن مسألة شغل المواقع القيادية في البلاد. ü لكّنا نأخذ على النصوص المتعلقة بالمفوضية القومية في القانون، مفارقتها لمبدأ قانوني أصيل، وهو أن تتمتع الجهة التي تملك قرار وسلطة التعيين، كذلك بالحق في قرار العزل والإعفاء، وهذا المبدأ قد ترسخ في الفكر القانوني السوداني منذ عشرات السنين، كما نُص عليه بصراحة في قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974، بيد أننا عندما نلقي نظرة على المادة (8) من القانون، والخاصة بإسقاط عضوية المفوضية أو عزل أي من أعضائها، لا نجد دوراً للمجلس الوطني، مماثل لدوره في الإختيار والتعيين. ü ومن النقاط الجديرة بالملاحظة أيضاً في هذا السياق، ما ورد في المادة (6) البند (2) الفقرة (ه)، في شأن الشروط المفترض توفرها في أعضاء المفوضية، اذ إشترط القانون أن يكون العضو (ملمّاً بالقراءة والكتابة، ويفضل أن يكون من حاملي الدرجات الجامعية، أو من هو في درجة قاضي استئناف على الأقل). لا نريد أن نعلق على الجزء الأول من هذه الشروط، والمتعلق بالمؤهل العلمي لأننا نحس بأن المشرعّ تحوط لتمثيل شامل لأطراف البلاد كلها أخذاً في الاعتبار تباين الحظوظ في التعليم ودرجات التأهيل الأكاديمي، لكن الذي يستوقفنا حقاً هو الجزئية الخاصة بأن يُفضل من يشغلون درجة قاضي محكمة إستئناف، هذا الشرط يمكن فهمه وتقبله إذا كنا بصدد الإختيار لمؤسسة قضائية، لكنه يبدو خارج اطاره في حالة المفوضية القومية للانتخابات، أضف لذلك أننا إذا كنا نرغب في وجود قانونين على مستوى من الخبرة والتجربة ضمن المفوضية، فلماذا نقصر الأمر على شريحة القضاة، فهناك المحامون، والمستشارون، وأساتذة القانون، وكان يمكن أن يحدد القانون عدداً من سنوات الخبرة في أي مهنة قانونية، خمس عشرة سنة مثلاً، لا أن يحصر الأمر في درجة من درجات السلم الوظيفي القضائي. ü نواصل بمشيئة الله الاسبوع القادم..