الدكتور محمد ماء العينين: الشاعر, الوزير, الدبلوماسي, الكاتب المتميز.. يعتبر أحد الشخصيات التي جمعت بين الأدب والسياسة, فهو كاتب روائي ومفكر إسلامي. دخل عالم السياسة من أوسع الأبواب عندما نال ثقة جلالة الملك محمد السادس لشغل منصب سفير المملكة المغربية بالخرطوم, فكان الرجل المناسب في المكان المناسب, وعندما نزل بأرض النيلين كسب ود السودانيين وحبهم, فاحتفى بهم واحتفوا به, وقد ساهم في إثراء العلاقات السودانية المغربية بتدشين عدة مشاريع بين المغرب والسودان, وقد ارتأينا إجراء حوار خفيف معه في هذا الشهر الجميل الفضيل ليحدثنا عن احدى أهم المناسبات في المغرب. ومن داخل مكتبه الوثير أجرينا هذا الحوار . سيدي السفير نرجو ان تحدثنا في البدء عن عيد العرش كمناسبة وطنية . أود بادئ ذي بدء أن اشير الى ان الدولة العلوية الشريفة عملت منذ تأسيسها على تخليد هذه المناسبة الغالية التي تعبّر عن ملحمة خالدة مبنية على وثاق متين وعقد فريد بين الشعب المغربي وملوكه على مر العصور. وقد دأب الملوك العلويين على نشر الدين الحنيف وتلقين مبادئه وأخلاقه الفاضلة منذ نشأة الدولة الإدريسية إلى عهد جلالة الملك محمد السادس, الذي حرص على تكوين رصيد إصلاحي فذ تجاوزت شهرته بلاد المغرب وأصبح بذلك ذائع الصيت مغرباً ومشرقاً, ولا غروَ في ذلك فإن أمير المؤمنين صاحب الجلالة والمهابة الملك محمد السادس سدّد الله خطاه نموذج القائد العالم التقي الورع العادل, الرحيم بأبناء أمته, وقد جمع الله له بين شرف النسب ورؤية البصيرة صلاحاً وإصلاحاً. وما هي دلالات هذه المناسبة بالنسبة للشعب المغربي ؟ إن الإحتفال بعيد العرش يعد مناسبة ليس فقط لبلورة تفكير معمق حول مستقبل المجتمع المغربي, ولكن أيضاً فرصة لفتح أوراش جديدة يتعبأ خلالها الشعب والفاعلون السياسيون والملكية من أجل تقدم البلاد. فالمملكة المغربية خلال السنوات الأربعة عشر من حكم جلالة الملك محمد السادس قد انخرطت في سلسلة من الإصلاحات التي انضافت إلى إصلاحات تم إنجازها في وقت سابق, والتي ساهمت بشكل جلي في جعل المغرب يتبوأ مكانة متقدمة في مجال الدمقرطة, وبهذا سيظل عيد العرش دائما محطة لتخليد ذكرى تاريخية غنية بالعبر تعكس التلاحم القائم بين الشعب وملكه. لقد شهد إنتعاش النهضة الإصلاحية في عهد جلالته نشاطاً متواصلاً وعطاءً مؤسساتياً, كما كان مثلاً حقاً يُحتذى به لفكر متجدّد وإنفتاحاً متقدماً نحو الديموقراطية استزادتاً لعطاء جمع بين الحنكة والحكمة في مجال الحكم مما يعطي في نفس الوقت صورة صادقة لمحبة شعبه وإخلاصه له. وإعتباراً لأهمية هذا الحدث وفي قلوب المغاربة أبى الشعب إلا أن يخلّد هذه الذكرى بما يتطلبه ذلك من توقير وتقدير لما قام به أمير المؤمنين سليل الدوحة النبوية الشريفة. فهذه من أهم الدلالات التي سألتم عنها وهي دلالات مرتبطة أيضاً بانجازات جعلها الله في سجلّ الأعمال الصالحات والمبرّات لجلالته, وهكذا فإن الإحتفال بعيد العرش المجيد, يُشكل مناسبة لتجديد الروابط العميقة التي تجمع بين صاحب الجلالة الملك محمد السادس وشعبه, كما يُعد تعبيراً عن التلاحم القوي بين الشعب المغربي والعرش العلوي, فالإحتفال بهذه المناسبة - كما سبق وأن أشرت لكم في مستهل حديثي - يكتسي دلالة عميقة ويمثل لحظة قوية في حياة الشعب المغربي, كما يعد أيضاً مناسبة لتجديد الروابط المتينة القائمة بين المؤسسة الملكية والشعب المغربي. سمعنا كثيراً عن الإصلاحات الرائدة التي قام بها جلالة الملك محمد السادس في المغرب, هلاّ تحدثتم عنها بإيجاز ؟ مما لا مراء فيه أن كل المنجزات التي تم تحقيقها في عهد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله, هي حصيلة رؤية متكاملة وتخطيط محكم في سبيل تحصين مصير أمة خلاّقة تبوّأت مكانة مرموقة جعلتها مثلاً يُحتذى به في البناء والأمن والإستقرار بما يتلائم وخصوصيتها. (مقاطعا)..نعم كما نتابع ذلك عبر الفضائية المغربية فهناك تدشين مستمر لمشاريع بنى تحتية في مختلف ارجاء البلاد ..! .. بالفعل لأن الإحتفال بهذا العيد المجيد يشكل مناسبة لإستحضار الرباط المتين القائم بين الشعب المغربي والعرش العلوي المجيد, وهو الرباط الذي توطد من خلال الكفاح المشترك من أجل الحرية والإستقلال. فهذه الذكرى تشكل كذلك مناسبة لوضع حصيلة سنة من الإنجازات والأوراش تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس, وهو عهد غني. كما أنه يشكل للمغاربة حدثاً يدعو للإفتخار والإعتزاز, من أجل مواكبة بناء صرح المغرب الحديث بقيادة جلالة الملك. فالمغرب تمكن من تدشين أوراش هامة من خلال إنجاز مشاريع كبرى ذات أبعاد إقتصادية وإجتماعية هامة, كما انه يشكل حدثاً وطنياً غزير الدلالات في تاريخ المغرب الحديث والمعاصر, فقد كان هذا العيد مناسبة لتجديد العهد بين العرش والشعب على الإستمرار في بناء المغرب وعزته وسؤدده. ويعتبر عيد العرش يوماً مشهوداً في تاريخ المغرب, فهذه المناسبة فضلاً عن كونها ترسيخ لمفهوم المُلك المُؤسس على عقد البيعة الشرعية في بعده الديني, والتشبث بالعرش العلوي الذي خاض مراحل نضالية وملاحم جهادية رائعة لتحرير المغرب, وتقوية نهضته الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتربوية والدينية, وترسيخ نظامه الديمقراطي, شكّلت نقطة إنطلاق لعهد جديد وإنبعاث جديد للأمة ومفهوم جديد للتعاطي مع القضايا الوطنية والتخطيط لمستقبل البلاد برؤية ثاقبة لإعطاء روح جديدة للدولة المغربية الحديثة. سيدي السفير رغم الموجة العارمة التي اعترت بعض البلدان العربية, إلا أننا نرى أن هناك علاقة ملحمية خاصة بين الشعب المغربي والقصر.. حدثنا عن هذه العلاقة . يؤكد المغاربة بإستمرار على حبهم وتعلقهم بملكهم باحتفالهم سنوياً بعيد العرش, وذلك تجسيداً لالتحامهم بالعرش العلوي الذي يتجلى مداه في الشدائد والمسرات, وهو الإلتحام الذي يشكل نعمة من نعم الله الكبرى على هذا البلد الأمين الذي ينعم بالإستمرارية والإستقرار والأمن. لذلك فإن هذه الذكرى التي تعتبر رمزاً يحمل أكثر من معنى ويوحي بأكثر من مغزى, هي جديرة بالتأمل والإعتبار لما تحمله من أبعاد تاريخية لتلك العلاقات القائمة بين العرش والشعب, في رباط مكين من الثقة المتبادلة القائمة على المحبة والتعلق في سبيل عزة الوطن وسيادته ووحدته. ولقد انصب حرص سليل هذه الأسرة الشريفة جلالة الملك محمد السادس, منذ إعتلائه العرش على إعطاء روح جديدة لهذه العلاقة الأبدية بين العرش والشعب. وإنطلاقاً من هذه الروح, عمل جلالة الملك محمد السادس خلال الأربعة عشرة سنة من تربعه على العرش على بلورة سياسة إقتصادية وإجتماعية تهدف إلى تغيير وجه المغرب من منطلق أن أي مشروع مجتمعي يقوم حصراً على التحديث السياسي المؤسساتي والتشريعي يظل قاصراً عن إستيفاء مفهومه الحقيقي ووظيفته التغييرية الشاملة بدون أن يستند إلى مضمون إجتماعي إقتصادي. وقد نجح المغرب بفضل القرارات الجريئة المحفزة والمبادرات الشجاعة والخلاقة لجلالة الملك محمد السادس التي تعكس الرغبة في التغيير التي أرادها جلالته في الإنتقال الى القرن ال 21 دون صعوبات, ويتحتم عليه الآن رفع التحديات التي تواجهها كافة الدول السائرة في طريق النمو. ويواصل جلالة الملك محمد السادس منذ جلوسه على عرش أجداده, في ثقة وثبات, مسيرة ترسيخ مسار البناء الجماعي لمغرب الوحدة والديمقراطية والتقدم, مغرب يسير بخطى متأنية نحو غد مشرق ومستقبل زاهر وتقدم وازدهار ونهضة ونماء, مغرب يتطلع إلى مستقبل واعد وفي إلتحام قَلّ نظيره بين العرش والشعب في كفاحهما المتواصل ونضالهما المستمر من أجل سيادة الأمة وكرامتها وصيانة وحدتها الترابية. لك من الشكر أجزله سيدي السفير... هل من كلمة أخيرة ؟ بهذه المناسبة المجيدة, ستقوم السفارة المغربية بالخرطوم بإحياء حفل بهيج يوم 30 يوليو 2013م بمقر الإقامة وذلك لتخليد هذه المناسبة الوطنية العظيمة التي تجسد وحدة الأمة المغربية وتستحضر أمجادها السعيدة وتقاليدها المجيدة الزاهرة وأصالتها الرائدة. وإنني إذ أشيد بأواصر المحبة والتقدير السامي الذي يربط بين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله وأخيه فخامة الرئيس المشير عمر حسن احمد البشير, فإنني أحيي الشعب السوداني الشقيق قيادة وحكومة وشعباً وأحزاب ومنظمات, لما يوليه للعلاقة الثنائية المتينة والمتجذرة عبر التاريخ.