حرص زعماء دول العالم - وخاصة المقربين من المغرب - على إنتقال العرش إلى ابن الملك الحسن الثاني وولي عهده محمد السادس الذي تسلم زمام الحكم وفق المراسيم الملكية المغربية ، كان ذلك فى العام 1999م، وكانت أولى الأعمال التي بدأ بها الملك الشاب محمد السادس عهده وفي خطوة تحمل دلالات إنسانية كبيرة من شأنها أن تطبع بدايات الحكم الجديد بكثير من التعاطف والدعم أصدر الملك الجديد قراراً بالعفو عن عشرات الآلاف من المساجين المغاربة وسمح بعودة جميع الفارين من الحكم المغربي السابق . وفى يوليو من العام 2009م ، إحتفل الشعب المغربى بالذكرى العاشرة لإعتلاء جلالته على عرش أسلافه الميامين ، كما إقترنت هذه الذكرى مع ذكرى ثورة الملك والشعب والتي تعتبر مناسبة قومية عظيمة فى المغرب تهتز فيها مشاعر المواطنين فرحاً وطرباً لأن هذا العيد يجسّد وحدة الأمة المغربية وهذه الذكرى تمثل حدثاً وطنياً كبيراً ، ذلك أن المغرب خلال هذه الفترة شهد تحولات هامة فى كل الميادين السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، أما على المستوى الدولي فقد أصبح المغرب بحكمة جلالته مثار إنتباه رؤساء الدول العظمى لمناصرته للقضايا العادلة ومواقفه الإنسانية وتواضعه الجم وحرصه الدائم على تعميق التجربة الديموقراطية بالمغرب . إن منجزات جلالته لكبيرة وعظيمة تبشر بمستقبل واعد بمزيد من التقدم والإزدهار والنماء تحت قيادته الرشيدة ، وفى تلك المناسبة طرح جلالته برنامجاً للإصلاح القضائي والمؤسساتي فى الدولة من حيث محاربة الآفات التى تنخر جسم كل مؤسسة حيوية كالقضاء والمالية وغيرها من المؤسسات ذات الأهمية . إن جميع الإصلاحات التى تحدث عنها جلالته تنصب لصالح المواطن المغربي وتقرّب المسافة بين مؤسسات الدولة والشعب ، وقد أشار جلالته إلى أهمية التواصل مع المواطن البسيط وقد تمت خطوات واضحة المعالم للشارع العام المغربى بحيث جاري العمل على قدم وساق داخل أروقة المؤسسة العدلية بتعديل القانون الجنائي وما يتناسب وإحتياجات وضرورات خدمة المواطن وحماية حقوقه عوضاً عن المتاهات والمعاناة التى يلقاها المواطنون جراء بيروقراطية المؤسسات حالها كحال الكثير من الدول ، وقد حرص جلالته وفطن لهذا الأمر في حينه . وكان من ضمن الملفات الشائكة والتى أرّقت الشارع السياسى فى المغرب هي مسألة الفصل بين سلطات وزير العدل وبين سلطات المجلس الأعلى للقضاء وكيفية مراجعة النظم التى تضبط عمل كل مؤسسة على حدة حيث تداخل السلطات لا ينصب فى مصلحة المواطن الضعيف ومعروف دستورياً فى المغرب أن القضاء أعلى سلطة فى المملكة وأن وزير العدل يعتبر أعلى سلطة تنفيذية ، لذلك أتى حرص القصر على نزاهة القضاء وإبراء ساحته من كل شائبة كان أمراً ضرورياً والسعي لضمان إستقلاليته أصبح أمراً حتمي لا مناص منه . كما كان من ضمن القضايا التى إنتصر لها الملك الشاب ، قضية المرأة التى نصرها ودعمها ورفع من تمثيلها البرلماني كما وجه بإبراز تمثيل المرأة فى سلك القضاء ، وقد سعى جلالته لضمان إستقلال القضاء ومحاربة الرشوة والمحسوبية داخل أروقة ودهاليز مؤسسات الدولة التى يكثر فيها إستغلال النفوذ ، وقد نادى جلالته للتصدى للبيروقراطية الهشة التى تعيق وتبطئ من سير وإحقاق العدالة ، ودعى إلى تسهيل وتسريع وتيرة معالجة الملفات العالقة وتنفيذ الأحكام . لقد برهن جلالته بأن المغرب دخل منعطفاً جديداً وحاسماً سمته الأساسية تقريب الإدارة من المواطنين من خلال الإعتماد على مفهوم جديد للسلطة مؤكداً بذلك عزمه على إرساء قواعد إدارة حديثة تستجيب لمتطلبات الرقي فى أفق خوض غمار تحديات الألفية الثالثة. (2)لقد شهدت المملكة المغربية خلال العقد الماضي اصلاحات غاية في الاهمية ، وهذه الاصلاحات لم تكن ردّة فعل لفعل ما ، مسبق ، أو استجابة اضطرارية لطلب ملح ، وانما أتت نابعة من صميم القلب ، منذ تولي جلالة الملك محمد السادس الحكم وتربعه على عرش أسلافه الميامين ، كان الاصلاح مبدأ بالنسبة لجلالته ، فأتت الحلول الناجعة نتيجة لدراسات استراتيجية وأفكار صاغها عقله النيّر ، المستنير بتجاربه وخبراته المتأصلة ، ففجّر طاقاته الابداعية ، فكانت ثورة الملك والشعب . لقد شهدت المملكة المغربية اصلاحات على جميع الاصعدة والقطاعات بشكل متوازي ، وذلك بدون كلل ولا ملل . وكان آخرها في التاسع من مارس الحالي ، حيث وجّه جلالته باصلاح دستوري شامل . فبعد ان بدأ جلالته فترة حكمه الاول بصيانة مؤسسات المملكة كما أسلفنا ، أتى الاصلاح الحقيقي والصيانة الكبرى تحت رعايته المولوية باصلاح الدستور وما يتوافق ويتناسب والاحتياجات الحقيقية للمواطن المغربي،من حفظ للحقوق العدلية وبسط للحريات الفردية ومنح القوة اللازمة لرئيس الوزراء ، حتى يمارس مهامه على اكمل وجه . ان ما حققه جلالة الملك محمد السادس خلال فترة تربعه لعرش اسلافه الميامين لهو اشبه بالمعجزة ، وما يحمله في جُعبته من بُشريات لم يبح بها لهي الفتح المبين للشعب المغربي والامة الاسلامية اجمع . إن ما يمتاز به جلالة الملك محمد السادس من ثقافة موسوعية وقدرة ومهارة فى القيادة وتحمل المسؤولية لمن الأسباب والدعائم التى تؤكد ميلاد مدرسة جديدة للعمل الثقافى والتربوي والسياسي فى المنطقة . فمنذ أن نال المغرب إستقلاله سنة 1956م وحتى الآن إجتاز المغرب مراحل مختلفة من حيث تكريس مبدأ الديموقراطية وتوسيع رقعة تداول الحريات العامة ، ففى العام 1958م رأى النور «ظهير ملكي» بخصوص الحريات العامة الذى كان منطلقاً لإقرار التعددية السياسية وفى العام 1962م صدر أول دستور مغربي تجاوب مع السياق التاريخي السائد آنذاك وعانق الرغبة الملحة لدى المغاربة فى أن يتم الفصل بين السّلط الثلاث «التشريعية والتنفيذية والقضائية» وحدد المهام الموكولة إلى المؤسسات الدستورية وأقر الإنفتاح على عصرنة الدولة وتطوير مرافقها دونما تنصّل عن القيم الروحية والحضارية الأصيلة التى تكرّس الهوية الإسلامية العربية الأفريقية للمغرب . وقد أكدت الفترة الفاصلة بين العام 1962م و1999م أن الدستور المغربي كائن حي يدب فى أوصاله دماء الطفرة والتجديد بإستمرار حيث خضع لعدد من التعديلات طالت جوانب حيوية ذات الصلة بتطور المشهد السياسي فى المغرب الذى صار غنيّاً بتنوعه وعطائه ، فضلاً عن مواكبة البلاد للمستجدات العالمية التى تفرض عليها الإنسجام والتناغم مع حركيتها والإنصهار فى بوتقتها بفاعلية ، ومما ساعد المغرب على ذلك ، الموقع الجغرافي المتميز الذى جعل منه ملتقى للحضارات والثقافات وصلة وصل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب ، فبلد يزخر بهذا الرصيد الذى رسّخته الجغرافيا وصنعه التاريخ لايمكن له أن ينغلق على نفسه وينطوي عليها ، وليس أمامه إلا أن يتفاعل مع محيطه المحلى والدولى وكذلك كان ، فالمغرب تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس ، الرشيدة ، أصبح فى ظرف وجيز بالقياس إلى دول عديدة ، دولة عصرية ذات مؤسسات قوية وفاعلة ومتوفرة على آليات دستورية وقانونية محصّنة لحاضره ومستقبله . üمهندس/مركز الوفاق الثقافي للدراسات الصوفية