يقول «شيللي» إن الغناء للأشجار يعتبر جريمة لأنه يعني السكوت عن جرائم أشد «هولاً».. وصدقت أيها الشاعر المجيد... ويقول مثلنا السوداني الرصين والصميم... «الناس في شنو و«ديك» في شنو»... عندما تنبئهم الدورب.. وتتقافز متقدمة الصفوف.. المواضيع البائسة الوضيعة التافهة.. وتتراجع.. أمهات القضايا.. وأهوال الرزايا... إلى الصفوف الخلفية.. من اهتمامات النّاس... وصدقوني إني بت أحصي الأيام.. والساعات.. خوفاً ورعباً.. من يوم بكرة الذي لا أتمناه مسرعاً.. كأماني الفخيم العظيم محمد الأمين وهو يناشد الغد... ويا يوم بكره ما تسرع تخفف ليّ نار وجدي».. أنا لا أتمنى أن ينقضي يوم واحد من المائة يوم التي تفصلنا عن الاستفتاء.. ذاك الخطير والرهيب... وصدقوني إني الآن في شغل شاغل.. عن أخطاء الحكومة وغطرسة بعض المسؤولين... وحقارة بعض التنفيذيين.. وبطش بعض الباطشين.. في شغل عن مهانة وإهانة المواطن السوداني المسكين وهو يجابه قسوة الحياة.. ونيران الأسعار.. وقلة الدواء.. وشح الكساء.. واستحالة التعليم ورهق المواصلات... وأنين ونواح.. صغاره وهم يتضورون ألماً من سكاكين الجوع.. نعم.. كل ذلك غناء للأشجار.. وهو جريمة لأنه يعد سكوتاً عن الاستفتاء.. والذي قد يتمخض لا قدّر الله.. ولا سمح الله.. عن انفصال مزلزل.. يشطر البلاد إلى شطرين.. ويعصف ببلد ظل على الدوام.. كتلة فولاذية عصية على التشظي والتفتيت.. ولكن.. ورغم خوفي.. ورعبي من ذاك اليوم.. الذي يرجوه البعض اقتراباً أما أنا فقد هبته لما أهابا.. نعم رغم خوفي.. وظنوني.. ورعبي وجنوني.. خوفاً من ذاك المصير.. إلا أني أقف عاجزاً قليل الحيلة فأنا وكل إخوتي في الشمال لا نملك صوتاً.. ولا حقاً فالأمر كله متروك للإخوة في الجنوب... نعم أنا لا أملك ما يجعل الوحدة أمراً يمشي بهياً على تراب بلادي فقط أملك مناشدة واستعطافاً ودعاء... ورجاء أن يوفق الله الأخوة الجنوبيين لاختيار الوحدة.. الأمل أن يتذكروا وشائج القربى وصدق المواطنة.. على الأقل من سواد الشماليين الأعظم.. الذين يرون فيهم مواطنين كاملي المواطنة... أنداداً وأشقاء وأخوة في وطن اسمه السودان.. أن تنزل موجات الغضب درجات من ظلم حاق بهم.. ولعلمهم بأن سواداً أعظم من الشماليين قاسوا وجابهوا نفس الظلم والتمييز والمحسوبية ولكن للغضب حدود.. ولمصائر الأوطان قدسية... ولوحدة البلاد أولوية .. أن يتذكروا روح الشهيد الغالي جون قرنق.. وهي تحلق في الأعالي وتنظر إلى أوراق الاقتراع وهي تترى على الصناديق... وآماله وأحلامه.. وأمنياته أن يتحقق شعاره الخالد.. التليد... سودان واحد جديد... دعوه أحبتي أن يسعد في قبره مرتاحاً.. جزلاً.. وأبناؤه يحققون رغبته الشاهقة الشاسعة في وطن واحد متّحد.. نعم هذا جزء من خوفي الذي هبت عليه بالأمس نسمات منعشة.. أطربتني وأسعدتني في فرح طير طليق... بل في فرح الأطفال في العيد.. والراديو.. تنبعث منه ألحان ملائكية بهية التراتيل بديعة الكلمات... حملتني في نشوة وأنا أستمع في انتباه وموسيقى حديثك مع سحر البيان.. لم يكن الشادي هو «رمضان حسن» بل كانت الرفيقة البديعة المقاتلة.. الفاتنة... الوزيرة السابقة... بل أنجح وزير وطأت أقدامه وزارة الصحة الاتحادية منذ خمسين سنة وتزيد... الدكتورة العظيمة... تابيتا بطرس... أطربتني وأسعدتني وهي تتحدث في ثقة.. في حب.. في خوف.. في رجاء وأمل،، عن الوحدة الجاذبة.. كانت كلماتها نابعة من قلب مليء بحب السودان... شجى بلحن السودان غنى.. بالحب العاصف إلى أبناء السودان.. السودان ذاك الذي هجرت له.. دعة الحياة ورغدها يسرها وبهائها.. وسهولتها وفخامتها ووسامتها هناك في المملكة المتحدة... حيث «الأزرار» تأتيك بما تشتهي.. تركت كل ذلك وراءها.. وجاءت إلى بلد شمسه تشوي العظام قبل الجلود.. تهب فيه الأعاصير.. وتفرط مظلة رعب فيه سحب الوابل من الأمطار... نضّر الله وجهك تابيتا... ونأمل وأنت في قلب الحركة الشعبية.. أن يوفقك الله لتزرعي في قلوب المترددين الخائفين من الوحدة.. تزرعي في قلوبهم آيات الاطمئنان.. أن تقوديهم في يسر نحو وحدة جاذبة.. وبعدها سنناضل سوياً -شماليين وجنوبيين- لاسترداد أي كرامة مفقودة.. أي تمييز ولو كان في حجم الخردلة.. وأن ينهض السودان ديمقراطياً.. حراً.. وطناً للجميع... وأن نشدو مع محجوب وطن بالفيهو نتساوى.. نحلم نقرأ نتداوى.. وسدد الله خطاك .. وتكلل بالنجاح المبهر مسعاك..