كنا صغاراً وقتها قبل أكثر من (15) عاماً بالتحديد في حلفاية الملوك محطة (9) عقب صلاة التراويح نجتمع نحن أبناء الحي في الميدان ونبدأ باختيار لعبتَّي (شليل وينو أكلو الدودو شليل وين راح أكلو التمساح) أو لعبة «كم في الخط.. شدَّ وأركب».. نتسامر حتى منتصف الليل ونشارك بعدها بضرب الدفوف مع بقية أبناء الحي الكبار لاستيقاظ الناس لوجبة السحور وبما أننا كنا صغاراً كم كنا نستمتع(بالنقزة) و (القفزة) وشللن شللن بعدها ندخل بيوتنا ونحن في حالة تعب وإرهاق والملاذ الآمن بطبيعة الحال من غضبة الوالد أو نهرة الأم هي تلك الإنسانة العظيمة (الحبوبة) يا حليلها وحليل طعمها وهي تتوسط المنطقة الوسطى ما بين الحفاظ على الموروث العظيم وقيم إدراك قيمة وعظمة صلة الرحم بالجد أو الجدة المقدسة فقط في البيت السوداني عكس الدول الأخرى ربما لا إحترام لهذا أو ذاك العجوز قد ينتهي به الحال في الغالب إلى دار العجزة كما نسمع ونشاهد.. عموماً نظل في حضن الحبوبة حتى ما تهدأ صرخات الوالد والوالدة ومن ثم نتسلل إلى صينية الطعام ونبدأ بالرمرمة ومن ثم إلى صلاة الفجر وبعدها الزوغة من المدرسة بسبب النعاس التقيل جداً. كانت تلك الأيام ذكرياتها لا تنمحي عن القلب والعقل ومن بين هذه الذكريات مازالت متواجدة إلا أنها متقطعة وهي (برش) الإفطار وإنتشار الناس في الشوارع العامة هذه العادة بدأت تختفي في الأحياء الراقية ومع ظهور العولمة في العاصمة وإنتشار البيرقر والشبس وغيرها من الأطعمة التي تعد بسرعة فائقة والخوف من إندثار العصيدة والكسرة والقراصة شيئاً فشيئاً مع مرور الزمن اللهم احفظ الموروثات من العادات الجميلة... وفيما نتذكر ونحن صغار أصوات البرنسة واللوري وما كان لهما من وقع خاص في نفوس ركابها خاصة حالة التسلق مع الكمساري، وكان في السابق فتيات الحي يعرفن صاحب اللوري بصوت البوري الذي يصدر من اللوري تلك أشياء من ذكريات عديدة وماتزال الذاكرة ممتلئة بالكثير الجميل الذي يظل يحفظ للسودان عظمته وتفرده بكثير من الخصال والقيم على سبيل المثال لا الحصر الصفح والتراحم والتكاتف... في السراء والضراء.. يدور الزمن وتتسابق الخطى لكن يبقى السودان هو هو طالما أن المعدن اصيل والرئيس رجل اسمه البشير.