السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بُشرى وآدم .. حكاية واقعية
نشر في الراكوبة يوم 12 - 11 - 2011


.
[email protected]
لا أدري ما الذي جعلني أجتر تلكم الذكريات البعيدة والتي طالت عليها السنين وإندثرت رائحة بعضها ولكنها ما زالت حاضرة وبقوة تدفع مبضع القلم دفعاً ليسطر ولو القليل من فوحها ,,,,
طفولتنا بريئة ممزوجة بالشقاوة ككل الأطفال ... في أقاصي غرب ولاية الجزيرة الخضراء ... في سودان الخير وفي قرية صغيرة تُسمي ( ود النورة ) جرت تلكم الأحداث ...
كان الجيران في زمن يُقدس فيه الناس الجار القريب والبعيد حيث تنعدم ( الحيشان ) والفضاء هو مساحة النظر والتلاقي بين الجار وجاره ...
بت الحسن : إمرأة طاعنة في السن ... هي أول من يستلذ بصياح ديوك الحارة معلنة دخول فجر يوم جديد .. يعني لبت الحسن بداية رحلة كفاح تتقوت من ثمارها حيث تبدأ بإيقاد ( صاج اللقيمات ) الصغيرة الحجم الذهبية اللون والتي بسعرها المعقول لا يستطيع صغار الحارة الإستغناء عنها ... فنندفع صوب بيت أم الحسن وفي يدنا ( تعريفة أو أم قرشين ) ( عملات سودانية قديمة ) بنظفر بلقيمات طعمها شهداً ...
وفي الحارة أيضاً ( بشري ) وبشري شاب فنان بسيط من ذوي الإحتياجات الخاصة ( النظر ) وهو درويش بمعني الكلمة ويشاكس بنت عمه ( ريا ) بأنه يريد الزواج منها .. وكانوا وقتذاك صغاراً لم يتجاوز عمرهم العشر سنوات ... ولما ترفض هي يقوم بالسخرية منها بأن عيونها في ( رأسها )
ويضج الجميع بالضحك ...
ولي علي بشري مآخذ منها أنه يشرب ( المريسة ) مشروب من الذرة ولكنه مُسكر فكأنما كان لا يفقه تحريمه ويعتبره وجبة رخيصة الثمن وفي متناول يده قبل ( فطور البيت ) فكان يعب بطنه منها عباً ولكنها لا تغير في تصرفاته أو كلامه ...
والآن بشري في الثالثة والثلاثين من عمره وقد تاب من أم الكبائر ولكنه في قطار الإنتظار ليظفر ببنت الحلال ..
هنالك أيضاً ( بت الخضر ) المرأة الماشطة الطيبة رحمها الله ولا بد من المرور علي شئ من حياتها فقد أُصيبت بالشلل بسبب جلطة لم يستطع الجميع إدراك ذلك المرض المُسمي بالجلطة في تلكم الأزمنة ..
وبعد مرضها ضرب إبنها (آدم ) أروع أمثلة في البر بوالدته فكان يقوم بكل ما تقوم به ( الإبنة ) لأمها من غسلها ونظافة غرفتها وملابسها حتي أثار إنتباه نساء الحي فكن يجدن ( بت الخدر ) في كامل زينتها
ورائحة البخور والعطر تفوح من بيتها وجسدها ..
لله درك أيها الآدم ..
ومن طرائف ( آدم ) أنه كان صاحب نُكتة وحاضر البديهة ولأن حوش بيته في الهواء الطلق فكان المارين يحيونه من بعيد والذين لا يُحبهم كان يرد عليهم بصوت خفيض بعبارات ( عفنني ) ( تعبان ) وغيرها رغم أنه يرد التحية عليهم في البداية بأحسن منها ..
وآدم لم يكمل تعليمه وكان ( نقاشاً ) ماهراً في صنعته وجميع أهل القرية والحارة يُحبونه ولا يرضون بغيره في مهنة النقاشة أو الدهان ...
ووالد آدم السيد : احمد محمد صالح كان ( درويشاً ) مُتصوفاً يعتقد في كرامات شيخه ( ود بدر ) وهو أحد المشهورين من مشايخة الصوفية في السودان ويُكني ود ( النضيف ) ..
فكنا نحضر حلقات ذكر ونحنا صغار يُقيمها الشيخ احمد ود صالح وكان يدخل في حالة خاصة حينما يبدأ ( الطار ) والذكر تُسمي عند الصوفية ( شالوا الدين )
وكان مُحباً لحكر أكبر كمية من الأراضي البور والتي لم تصلها يد الدولة في ذلك الوقت فكان كل همه حينما يستيقظ صباحاً أن يقوم بعمل ( ساس ) لما يقوم بإحتكاره من أراضي .. فكان يُسورها وغالباً ما كان يسيطر علي ميدان الكرة الذي كنا نلعب فيه ولكننا لم نستسلم لطموحاته تلك فكنا نُكسر ما بناه ..
( 2 )
لآدم هذا شقيق إسمه بابكر حفظ القرآن في خلاوي الشيخ ( ود بدُر ) ولكنه نسيها تماماً بعد أن ترك الخلوة بسنين ولبابكر طقوس غريبة في ( مُباركة ) العيد علي جيرانه في االحي .. حيث يقوم صبيحة العيد وبعد عودته من الصلاة بالخروج إلي فناء ( الحوش ) ورفع يده وهو مواجه لبيوت الحي ويُصيح .. ( العيد مُبارك عليكم يا جماعة ) هكذا ... دون أن يُكلف نفسه عناء الذهاب إلي مُعايدتهم في بيوتهم كعادة أهل القرية والحي ...
وعوداً علي بدء تذكرت أن لبنت الحسن بائعة اللقيمات التي مررت علي بعض من ذكرياتي معها ... أقول تذكرت ( بنتها ) زينب والتي يحلو لوالدتها مُناداتها ( البِره) ولا أدري ما السبب حتي أن إبنها ( بابكر ) يُنادي بود ( البِره ) ولا يغضب لذلك ...
ومن الذكريات الجميلة في هذا الحي ( لمة ) الجيران علي فطور رمضان .. حيث نقوم نحن الأطفال بكنس ونظافة المكان الُخصص لللإفطار والذي كان في صحن الحارة في الوسط تماماً ...
وفطور رمضان يحلو مع مشروب ( الِحلو مُر ) الشهير والذي يتكون خليط من ( قُرصان الذرة مع البهارات من هيل وقرفة وغيرها ) ...
الجار الأهم في حارتنا والذي يُلاصق ( حوشه ) جدار ( حوشنا ) تماماً ... وفي هذا البيت أتذكر عبد الباقي وعوض وزاهر وحاجة الشول وليلي وعائشة وود كيفو ) وجميعهم رحلوا عن الُدنيا ولا أُريد أن أذكرهم هُنا إلا بخير ...
وتبقي من هذه الأُسرة ( رحيمة ) والذي إشتهر ( بخفة يده ) في السرقة ورغم تمرسه وإحترافيته إلا أنه دائماً يُلاحق بواسطة (البوليس ) ولكنني أحفظ له أننا وبحكم أننا جيرانه لم نتعرض لأية سرقة طوال عشرين عاماً بل كان يقوم بإرجاع ما يُسرق من بيتنا من أغنام وغيرها .. حيث إشتهرت قريتنا بكثرة السرقات في ذلك الوقت ..
( 3 )
وفي حارتنا الكثير والمثير من الشخصيات الهامة جداً في تاريخ الحارة ومنهم ( الحاجة مدينة بنت دُوه )
وأتذكرها امرأة ضخمة تملك الدُكان الوحيد بالحي وهي امرأة حلوة المعشر تحب الأطفال وتهدي لهم حلوي بيضاوية الشكل صغيرة الحجم يُسمونها ( حلاوة بلي ) وحُبها للأطفال وتعلقها الشديد بهم رُبما ناتج عن أنها لم تنجب ولكنها ولكبر قلبها نسيت ذلك وحولت كل أبناء الحي إلي أبناء لها بحبها وهداياها من حلاوة ( بلي ) فكانت نجمة في سماء الحي وإشراقة لن ينساها أهل الحي ...
وزوجها أحمد ود عِتمان هكذا يُنادونه ( عِتمان ) بدلاً عن ( عُثمان ) وهو عامل بسيط في ( طاحونة التعاون ) التي شُيدت بالجهد الذاتي والتعاوني لأهل القرية في أيام الحكم الإشتراكي للرئيس الأسبق جعفر نُميري)
وبطاحونة القرية عمال آخرين منهم ود الخليل وعبد الخالق المسئول عن ( الموارك ) ووظيفته أنه يستلم منك الذُرة أو القمح ويكتب علي الأكياس المُعبئة بالمحصول أرقاماً تُسهل مهمة تسليم المحصول بعد طحنه ...
وعُمال الطاحونة كانوا يسرقون الدقيق وذلك بعمل فتحة صغيرة جداً تحت ( الصبابة ) التي يخرج عبرها الدقيق ..
.. والجميع يعرفون ذلك ولا يعترضون وكُنا كأطفال مُشاكسين نعترض علي ذلك .. ولكن كما أسلفت الجميع يعلمون أن ما يخرج من فوهة (الصبابة ) يقوم العُمال ببيعه علي نساء أفريقيات يقمن بعمل
مشروب المريسة المُسكر منه .. ورُبما كان عُمال الطاحونة من زبائنهن ! لا أدري !
وفي الحي أيضاً ( نور الدائم ) الشهير بود الخضر ( شقيق بت الخضر ) التي سبق ومررنا علي سيرتها
وود الخضر رجل بسيط مُكافح مهنته شراء جلود الأضاحي والأسواق ودبغها وإعادة بيعها .. ولم يشتكي سُوء الحال أبداً .. وله من الأبناء خمسة أشهرهم المُشجع المُتعصب للهلال ( شنان ) وشنان يحب الوحدة ولم يتزوج حتي الآن وهو رسام وخطاط من طِراز نادر وكُنا نستعين به في كتابة الجرائد الحائطية ونحن في المرحلة المتوسطة فكان ( صالونه ) نقطة إنطلاقنا بِصُحفنا الحائطية فكنا نكتب المواضيع علي ورق ( الفُلسكاب ) ويقوم شنان بزخرفتها وكتابة العناوين العريضة ...
( 4 )
ير من الذكريات تأبي الا أن تأتي قبل أوانها في الترتيب والسرد وتذكرت محمد ود احمد ود حامد هكذا يحلو لنا مُناداته بإسمه ثلاثياً ربما لأنه أكبرنا سناً .. وود احمد هذا عاشق للعب وخبير في قوانين جميع العاب الصغار ومنه تعلمنا أن نلعب ( شليل وينو ) و( شدت ) و( الرمة وحراسا ) ...
وشليل لعبة مشهورة في قري وحلال السودان وتُلعب حصرياً في الليالي القمرية وشليل ( عظم كبير ) يقوم أحد اللاعبين بإمساكه فيصيح في الجميع مُتسائلاً : شليل وينو يقصد أين هو ؟ فيرد الآخرين ( خطفو الدودو )
ثم يصيح بأخري : شليل وين راح ؟ قاصداً أين ضاع العظم . فيصيح الصغار وبصوت واحد وبالنغمة نفسها (أكلو التمساح ) ..
ثم يقوم صاحبنا المُمسك بالعظم برمي العظم في الهواء ويبدأ الآخرون بالبحث عنه ومن يجده يُمثل أمام أخوانه أنه لم يجده وهنا الإثارة وحينما يتهيأ الجو للإنطلاق يندفع راكضاً علي حين غفلة من الباقين وحينما يصل إلي الدائرة ويُسمونها ( الميس ) يرمي بها العظم ليكون بذلك هو الفائز المُتوج في لعبة مُثيرة ورائعة تأخذ من ساعات لهو الصغار الكثير من الوقت والمُتعة ...
كذلك تعلمنا من كبيرنا ود احمد لعبة أخري إسمها ( شدت) وهي تقوم علي القفز برجل واحدة طيلة فترة اللعب علي أن تدفع الخصم بيدك لكي يسقط علي الأرض أو يفكوا الرجل التي ( يشدونها ) خلف ظهورهم علي أن يصل لاعب مُعين تتم حمايته إلي مكان مُعين هو خط النهاية وعندها يُسمي هذا اللاعب بالعروس والوصول لخط النهاية يُسمي ( عرسة ) والفريق الفائز هو من تكون ( عرساته ) أكثر ..
وود أحمد يقوم في أحايين كثيرة بالتحريض بين الصغار ومحاولة فتنتهم مع بعضهم البعض وكأنه يجد مُتعة في ذلك وعلي يده دارات معارك بين الصغار وصل بعضها إلي البوليس .. وسبحان الله مُغير الأحوال فقد تغير ود أحمد وصار هادئاً عاقلاً وحينما تُقابله تنسي كل ما فعله بك ...
( 5 )
وحراسا .. لعبة شعبية إشتهرت منذ القدم في الحلال والقري والأرياف خاصة .. وتقوم اللعبة علي أساسيات منها ( المِيس) والمِيس دائرة وهمية يجلس عليها لاعب واحد ويُوضع ( ثوب ) أو ما نسميه ( جلابية ) ويقوم هذا اللاعب بحراستها وسُميت ( رِمه ) والرِمه هي جثة الحيوان النافق ( الميت ) .. ثم تقوم مجموعة أُخري بالإنطلاق في أزقة الحي
وتقوم مجموعة أُخري بمطاردتهم ومن يجد الفرصة من المجموعة الأولي يقوم بالتسلل خِلسة إلي الميس من وراء ( حارس الرِمه ) الذي يبحلق في كل الإتجاهات حتي يمنع من
يريد الوصول إلي الميس .. والواصل الذي تخطي رقابة حارس الرِمه هو الفائز ومجموعته طبعاً ...
وكُنا نجد متعة في تلكم الألعاب خاصة وفي وجود حكم عارف بقوانينها وأكبر سناً منا ...
وود أحمد مُعجب جداً بموسم حصاد الذرة ( خاصة ) وفي هذا الموسم يقوم المزارعون بترك منازلهم داخل القرية والذهاب إلي ( النِمر ) ومفردها ( نِمره ) أي قطعة الأرض المزروعة
بالمحصول ويسكنون في ( قطاطي ) من قصب الذرة ... والقصد من ذلك أنهم يتابعون مراحل الحصاد عن كثب وتأكل مواشيهم من القصب والحشائش ورغم برودة ليل ( الِنمر ) إلا أن
صاحبنا يجد مُتعة زائدة في سرد تفاصيل ( رحلة الهجرة إلي النِمر ) ... وكان ود أحمد مُتميزاً في صناعة أكلة لذيذة إسمها ( القاشيت ) والقاشيت خليط من دقيق القمح مع اللبن والذي هو في الأصل ( الحليب ) ولكن أهل السودان يُسمونه لبناً .. ثم يوضع المزيج علي النار ويتم تحريكه حتي ينضج ... ويقوم الصغار بلعقة بأصابعهم دون إنتظار ....
ولكن السئ في الأمر أن مصدر الحليب أغنام لا نعرف أصحابها ولكنها شقاوة وبراءة الأطفال ومن خلفهم زعيمهم وقائدهم ( ود أحمد ) .....
وود أحمد الآن رجل عاقل ناضج تتمني قُربه وصداقته ... فسبحان مُغير الأحوال ...........
( 6 )
ة الأخيرة أحدثت الكثير من التغيير في تدين المجتمع وأتذكر أننا كُنا نذهب في زيارات موسمية مع الوالدة ( أطال الله في عمرها في طاعة الله ) كُنا نزور الأضرحة وقبور الأولياء كما كان يُطلقون عليها ...
وأتذكر جيداً أننا دخلنا في سرداب طويل وهمهمت النسوة بكلمات غريبة وكبيرة علي طفل في سني ولكن الأهم وبعد خروجنا وبعد أن تركنا مبالغ مالية علي الضريح وجدنا حارس الضريح في إنتظارنا في الخارج وهو جالس علي كرسي ويُبشرنا ويُكثر الحديث عن كرامات شيخه ولما رأي صِغر سني وأنا أتوسط الوالدة والخالات ضرب علي يدي وطمئن والدتي بأنني سأكون الأول في مدرستي وفصلي .. ولن أنسي هذا الموقف لأنني وببساطة قد صدقته وإعتقدت بأنني الأول لا محالة ويمضي العام الدراسي لأجد مستواي في نهايته كما هو ( السادس في الترتيب ) عندها عرفت كذب ونفاق ذلك الرجل وعمري بالكاد لم يتجاوز السابعة ...
وأتذكر من خُرافات الصوفية التي كان الجميع يُصدقونها شئ يُسمي ( البيان ) أي أن الشيخ الصوفي عندما يموت يكون الجميع في إنتظار أن يُظهر إحدي كراماته وغالباً ( منامات ) أي في الأحلام ودائماً ما تدعي إحدي النساء أن الشيخ قد زارها في المنام وأنه قد ( بين ) في مكان ما ... وكله كذب في كذب
وبعضهم ينصب الأعلام والرايات لبيان الشيخ ..
والحمد لله الآن كُله أصبح من الذكريات والوالدة والجميع رجعوا إلي طريق الحق طريق التوحيد وأصبحوا
يسخرون من تلك الأيام ....
( 7 )
وجارنا حاج الأمين ود شلتوت كان رجلاً كريماً وصاحب فزعات مع الجيران وكان مُبالغاً في كرمه حتي أن الوالد (يرحمه الله ) كان قد بني مضيفة نُسميها في السودان ( ديوان ) وقد خص الوالد هذا الديوان ببناء من الطوب الأحمر مع أننا نسكن في بيت من ( الطين ) وكان ( ديواناً ) كبيراً خارج أسوار ( حوش البيت ) ..
فكان الديوان مفتوحاً طوال اليوم ( للغاشي والماشي وإبن السبيل ) . وكُان من المعتاد عندنا أن نجد صباح كل يوم من غشي الديوان وبات فيه ليلته ونهرع فرحين إلي الديوان ونُحضر (شاي اللبن ) واللقيمات للضيف فنأخذ الثواب دعاءً وشكرا .. وسأعود بالتفصيل لحياة الوالد ( رحمه الله بالتفصيل ) ... وحاج اللمين وعن طريق بنته ( ريا ) يصطاد ضيوف ( الديوان ) وتجده قد سبقنا بصينية غداءه إلي الضيف وبالموجود من الطعام دونما تكلف وكان يُحرجنا كثيراً وتتضايق الوالدة من ذلك لأنها تُريد أن تكرم الضيف بطعام مُميز يُحس فيه الضيف بأنه مُرحب به وكان تُحب أن تُطعم الضيوف من أفضل ما عندنا من طعام .. ولكنها لا تغضب من حاج اللمين خاصة وهو زوج أختها ( خالتي ) والتي لم تُنجب منه ...
وتلك قصة أخري سأعود لها ...
وفي ( موسم الهجرة إلي النِمر ) كان خالتي تخُصنا ب( الغُباشة ) وترسلها لنا مع زوجها حاج اللمين في ( قِربة ) من الجلد وكانوا يُسمونها ( سِعن ) و( الغُباشة ) نتاج من هز الحليب بواسطة السعن بعد ربطه في ( الراكوبة ) وتحريكه إلي الأمام والخلف ثم يقومون بإستخراج ( الزبدة ) من هذه العملية ويُسمونها ( الفُرصة ) أو السمن بعد وضعها علي نار هادئة وإذابتها ... والغُباشة تُشرب في الغالب صباحاً قبل وجبة الفطور والمزارعون يشربونها ويتقوون بها في ساعات عملهم لحين وقت وجبة الفطور ... ولأن لحاج اللمين قطيع كبير من الأبقار والماعز فقد كانت كمية الغُباشة كبيرة فإننا نوزع الكثير منها علي الجيران
وما أجملهم من جيران والبيوت مفتوحة للجميع وكثيراً ما يأتي موعد الغداء في بيتنا وكل أطفال الحارة جلوس معنا علي مائدة واحدة وكُنا نفرح بذلك خاصة واللعب متواصل بصحبتهم ...
ولأن حاج اللمين زوج لأمرأتين خالتي و( أُم الحُسين ) فكان التنافس علي إرضاءه علي أشده بين المرأتين ورغم لا مبالاة الزوجة الصغيرة والتي أنجب منها حاج اللمين ريا ومحمد وروضة إلا أن خالتي التي لم يرزقها الله بالذُرية كما يقولون إلا أنها كانت أحرص علي أبناء الزوجة الثانية فكانت تحبهم جداً وتُفضلهم علينا نحن أبناء أُختها فكانت بقلبها الكبير أحن عليهم من أُمهم ... والخالة ( حية تُرزق ) وتسكن مع الوالدة الآن في بيتنا ولكن في مكان آخر غير ( ود النورة ) في مدينة ( القُطينة ) ...
ومات حاج اللمين بعد أن أُصيب بجلطة أرقدته مشلولاً لعدة سنين .. رحمك الله أيها الرجل الكريم الشهم .
أبو أروى - الرياض - 12-11-2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.