الكاتب المصري الساخر أحمد رجب كانت تعجبه جداً حكاية (خرس الأزواج).. فالزوج- عقب الزواج- يكتشف أن معين كلامه تجاه من أضحت شريكة حياته قد نضب.. من قبل ذلك- أي خلال فترة الحب والخطوبة- كان هو يتكلم وهي تنصت.. والرجل- أي رجل- يعجبه في المرأة إنصاتها لما يقول.. فإن قالت هي فإنها تختصر وتختزل وتعمل بالحكمة القائلة (خير الكلام ما قل ودل).. ثم يفاجأ- الزوج- بسيل من الثرثرة لا ينقطع من تلقاء التي كانت يحب صمتها المثير.. والثرثرة هذه قد تفتح باباً للهرب، أو (التزاوغ)، أو حتى الخيانة بحثاً عن أخرى تحسن الإنصات بدلال.. وسياسيو زماننا هذا- حاكمين ومعارضين- كره الناس ثرثرتهم التي لا يتبعها عمل في الغالب.. محض ثرثرة والسلام.... أو هي ثرثرة من أجل الثرثرة و (خلاص)؛ من باب الإعجاب بالذات.. والإعجاب بالذات (الثرثارة) هذا نفسه هو سبب نفور الكثيرين من أجهزة إعلامنا المرئية والمسموعة في ايامنا هذه.. فالمذيع يثرثر، والضيف يثرثر، والمتداخل يثرثر حتى ليكاد أن يثرثر المتلقي هو ذاته (جنوناً).. وعن وردي يُحكى أنه كاد أن يكف عن مواصلة تسجيل حلقات بفضائية شهيرة لولا خشية العواقب القانونية.. فهو قد وقع العقد، ورضي بما له، والتزم بما عليه.. والسبب في ذلك- حسب الراوي- هو ثرثرة المذيعة التي فاقت قدرة وردي على التحُّمل.. فرغبتها في أن تنطق هي لا تقل عن رغبتها في استنطاق ضيفها.. ورواية (ثرثرة على النيل)- لنجيب محفوظ- لاقت رواجاً رغم كراهية الناس للثرثرة.. فهي ثرثرة سياسية بثوب أدبي... أو ثرثرة أدبية بثوب سياسي... أي إنها ليست ثرثرة مثل التي تصيب الأزواج بالخرس... أو تلك التي تصيب مرتادي الندوات السياسية بالملل.. ومن طرائف الثرثرة هذه أن ثرثاراً أُبتلى بمصاحبة من يفوقه ثرثرةً في رحلة من الخرطوم إلى مدني.. وطفق الثاني هذا يتكلم- يقول الأول- منذ لحظة التحرك من أم درمان وحتى مدينة الكاملين دون توقف ولو لإلتقاط الأنفاس.. وعند الكاملين وجد الأول فرصةً طال إنتظاره لها متمثلة في نوبة سعال ألَّمت بالثاني.. وإغتنم الأول الفرصة هذه فلم (يسكت) إلا في مدني..