بسم الله الرحمن الرحيم يظن كثير من الرجال أن المرأة مخلوقة معقدة تتعمد الثرثرة واختلاق المشكلات والإكثار من الشكوى وأنها سبب كل المشكلات الزوجية! هذا ما يظنه الرجل عن المرأة.. أما المرأة فلها رأي آخر.. فهي واثقة من أنها بريئة من كل تلك التهم وأن الرجل هو السبب في المشكلات الزوجية.. فالرجل يتعمَّد دائماً أن يتجاهل مشاعرها وطلباتها كما أنه ناكر للجميل لا يُقَدِّرُ ما تقوم به من خدمات وتضحيات في سبيل راحته، إضافة إلى جموده وتَبَلُّدِهِ ومقاومته لجهودها في تطويره.. ونتيجة لذلك تشعر المرأة بخيبة أمل في زوجها وتلجأ إلى المسلسلات لتشاهد الرجال المُرْهَفِينَ الذين يُقَدِّرُونَ زوجاتهم.. تنغمس في المشاهدة لعل ذلك يخفف عنها صدمتها في زوجها الذي لا يفهم رغباتها. أما الزوج المسكين فيجد نفسه عاجزاً عن مقاومة الثرثرة والتوبيخ.. وبدلاً من أن يحاول فهم المشكلة فإنه يتوارى بصفحات الجريدة أو يلوذ بمشاهدة كرة القدم على التلفاز أو يهرب إلى الشارع ليجلس مع رفاقه المنكوبين الذين يشاركونه القضية والهم!.. رجال كثيرون يهربون إلى إلى الشوارع والنوادي لعجزهم عن التواصل مع زوجاتهم.. ولا يعاني أولئك الرجال من أية مشكلات نفسية كالخوف الاجتماعي أو الوسواس القهري أو انفصام الشخصية أو غيرها من المشكلات التي تؤثر في تواصلهم مع الآخرين.. فهم قادرون على التواصل الفعَّال مع بعضهم بعضاً.. يجيدون فن الاستماع ويتحدثون بأسلوب ساخر ممتع.. وينفعلون بقضاياهم.. ولهم فلسفاتهم في الحياة.. فمشكلتهم الوحيدة هي: كيف لهم أن يحلوا شفرة تلك المخلوقة العجيبة التي تنتظرهم في البيت؟! وبينما يفكر الرجل في حل تلك الشفرة.. تكون المرأة جالسة مع صديقاتها وهنَّ يتواصلن في براعة فائقة.. يتحدثن عن كل ذلك العالم الجميل بما فيه من ثياب سويسرية وأواني منزلية وستائر وملايات وحنة ومحلبية.. ويتبادلن آخر أخبار المناسبات من زواج وطلاق وولادة.. وتشكو كل واحدة منهن لرفيقاتها آلامها وأمراضها من ملاريا ورطوبة وبواسير وغيرها.. فيا لها من حياة جميلة لا ينغصها سوى عجز الواحدة منهن عن التواصل مع زوجها.. تستطيع المرأة أن تتواصل مع رفيقاتها.. ويستطيع الرجل أن يتواصل مع رفاقه.. ولكنهما يعجزان أن يتبادلا جملتين مفيدتين من غير أن يعكر أحدهما صفو الآخر. الدكتور جون قراي صاحب كتاب الرجال من المريخ والنساء من الزهرة يصور ذلك تصويراً رائعاً ومُبَسَّطَاً.. فهو يتخيل أن الرجال كانوا يعيشون في كوكب المريخ وأنهم سافروا إلى كوكب الزهرة والتقوا بالنساء الجميلات في ذلك الكوكب البعيد.. أُعْجِبَ الرجال بتلك المخلوقات الجميلة وتزوجوهن ثم هبطوا جميعاً إلى كوكب الأرض.. وفي الأرض بدأت المشاكل بينهما.. فاللغة التي يتحدثون بها متشابهة الكلمات ولكنها مختلفة المعاني.. فقد اعتاد رجال المريخ على الحديث المباشر والصريح في كوكبهم، أما في الزهرة فمن العيب أن تتحدث المرأة مباشرة عندما تريد شيئاً .. كانت المرأة تشير إلى ما تريد بالتلميح والإيحاء وتستطيع الآخريات أن يفهمن تلميحها فهماً سليماً. وكان رجال المريخ يُعَبِّرُونَ عن مشاعرهم تعبيراً عملياً.. لا يحتاج أحدهم أن يخبر الآخر بأنه يهتم به ويتألم لمشكلاته.. بل يفعل ذلك بخدمته وحل مشكلاته من غير أن ينطق بكلمة.. فهم لا يتكلمون إلا لتوصيل رسالة أو طلب مساعدة.. وعندما تواجه الرجل مشكلة فإنه يلجأ إلى أحد كهوف المريخ ويجلس وحيداً إلى أن يحل تلك المشكلة ثم يعود إلى رفاقه.. فهو لا يحكي مشكلته إلا إلى شخصٍ يساعده في حلها. أما في الزهرة فالحياة مختلفة تماماً.. فقد كانت نساؤها يعشقن الكلام الذي يعتبر من أعظم الأشياء في ذلك الكوكب.. فبالكلام يُعَبِّرْنَ عن مشاعرهن، وبالكلام يخففن من ضغوطهن ومشكلاتهن.. وبالكلام يشعرن بالسعادة والاستمتاع.. وإذا واجهت المرأة مشلكة فإنها ترتاح بسردها للأخريات، فهي لا تريد نصحاً وإرشاداً.. فقط تريد أن تجد مستمعاً جيداً يسمعها وهي تسرد تفاصيل تلك المشكلة.. فهنَّ يعشقن التفاصيل الدقيقة لأنها تتيح لهن ممارسة هوايتهن المفضلة.. الكلام! فيا لها من هواية! الاختلافات كثيرة بين سكان المريخ والزهرة.. يلتقي هؤلاء المختلفون ويقعون في الغرام ثم يتزاوجون.. يحاول كل واحدٍ منهما أن يعامل حبيبه بالطريقة التي تعلمها في كوكبه.. تُرَتِبُ الزوجة بيتها ترتيباً بديعاً وتُعِدُّ غداءً شهياً لتفاجئ به حبيبها عندما يعود من العمل.. تجلس الزوجة وهي تنتظر عودة زوجها وهي تُمَنِّي نفسها بسماع كلمات الشكر والثناء وأن تتاح لها الفرصة في ممارسة هوايتها المفضلة.. الكلام! يأتي الرجل مُرْهَقاً من عمله.. يلقي تحية مقتضبة على زوجته ثم يدخل إلى غرفته ليسترخي قليلاً ويخفف ضغوط العمل.. تشعر الزوجة بخيبة الأمل ولكنها تتفهم ما يعانيه زوجها من ضغوط.. تذهب إليه في غرفته لتجعله يتكلم ويخفف عن نفسه.. تحاول أن تعرف مشكلته ولكنها لا تسأله مباشرة بل تلجأ إلى الإيحاء والتلميح.. تقول له: لِمَ تأخرت اليوم ولمْ تتصل بالموبايل؟ ولماذا لم تَرُدْ على مكالماتي عندما اتصلتُ عليك؟ وهل لديك مكان آخر تذهب إليه بعد العمل؟ يشعر الزوج بالاستياء فبدلاً من أن تتركه زوجته وشأنه ليسترخي قليلاً فإنها تريد أن تفاقم مشكلته وترفع ضغطه.. تيئس المرأة من استنطاق زوجها وتخرج لتعد الغداء.. يجلسان على الصينية يبدأ الزوج في الأكل من غير أن يُعَبِّرَ عن سعادته بالطعام! تشعر الزوجة بالاستياء والضيق.. تلجأ إلى الكلام لتخفف من ضغوطها.. تحكي لزوجها معاناتها في عمل البيت من غسيل ومكوة وطبخ!.. أجل طبخ! عسى أن يحس ذلك الجاحد بمجهودها ويتعاطف معها ويضخم لها مشكلتها مما يجعلها تشعر بالارتياح.. تعشم في أن يقول لها: يا سلاااام عليك.. تعبتي تعب شديد عشان تخدميني. أو أن يقول لها: والله ما كنت قايلك مستحملة كل العذاب والمعاناة دي.. أنتِ زوجة أصيلة وطباخة ماهرة!... يستمع الزوج إلى شكوى زوجته ويتخيل أنه يستمع إلى شكوى رفيقه في المريخ.. يبحث الزوج عن الحل ويقول لزوجته: دا موضوع بسيط.. حاولي نسيانه.. ما تتكلمي فيه.. أو ربما يقول لها: ما تطبخي كل يوم.. اطبخي مرة واحدة في الأسبوع واحفظي الطعام في الثلاجة، وأنا ممكن أغسل ملابسي عند الغسال، وإذا غلبك شغل البيت خلاص، نجيب ليك خدامة تشتغل ليك وترتاحي! فهذه هي طريقته في التعامل مع المشكلات، فهو لا يجيد الاستماع والمجاملة بالكلمات التي ترفع الروح المعنوية.. بل يجيد التبسيط وتقديم الحلول. تشعر المرأة بتوالي الخيبات والصدمات عليها.. وبدلاً من أن تصارح زوجها بذلك فإنها تواصل في التلميح والإيحاء والكلام المبهم.. يعجز الزوج عن فهم تلك الإيحاءات ويعتقد أن زوجته ثرثارة تهوى اختلاق المشاكل وأنها لم تعد تحبه كما كانت من قبل وأنه لم يعد قادراً على إرضائها مهما فعل.. يهرب الزوج إلى كهفه ويحتمى بصفحات الجريدة ليجد حلاً لتلك المشكلة الخطيرة: كيف يعيد زوجته الحبيبة كما كانت؟ وتظن الزوجة أن زوجها لم يعد يهتم بها كما كان.. وأنه يكره رؤيتها لذلك يحتمي بالجريدة.. وأنه لا يريد إصلاح تلك العلاقة التي أوشكت على الانهيار.. وهكذا تتفاقم المشكلة وتصل إلى طريق مسدود .. وربما يحدث الطلاق.. يحدث ذلك لأن الزوجين المسكينين لم يقرأا كتاب الرجال من المريخ والنساء من الزهرة.. فيا لهما من مسكينين!! فيصل محمد فضل المولى [email protected]