حاولت الحكومة أن تفهم المواطن ما سيحصل له وبكل وضوح من جراء رفع الدعم عن المحروقات.. وبزلت في ذلك مجهودا جبارا في التنويرات واللقاءات.. وقدمت حلين لا يقبلان الطريق الثالث وهما إما أن يقبل المواطن السوداني بهذه الحلول التي أقرت الحكومة بأنها عصية جدا عليه , أو أن ينهار الإقتصاد ومن ثم حدوث الندرة التي يفسرها أهل الإقتصاد بأنها الأخطر والأشد صعوبة من غيرها..! بيد أن هذه الندرة قد تحققت في شيء مهم وهو مواصلات ولاية الخرطوم التي كان من المخطط لها أن تقوم بزيادة التعرفة بشيء بسيط والأزمة لم تكن في هذه الزيادة التي لم تؤدي إلى احتجاج إنما كانت في تمنع أصحاب الحافلات والمركبات من ترحيل المواطنين إلى أماكن عملهم والطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم..! المعركة بدأت مبكرة من هذا القبيل واستطاع أصحاب الحافلات والمركبات التجارية هزيمة مشوار الإصلاح الإقتصادي بذاتية وأنانية لا تفسر إلا بالجشع والنهم البالغ في الضغط على المواطن ووضع أعلى مايمكن من زيادات على كاهله.. وإلا فإنهم يلتزمون منازلهم ويتركون المواطن عرضة لأجندة بعض المتربصين ولربما كان الوقت مناسبا لهم لأن يقولوا كلمتهم ويشبعوا رغبتهم في الحصاد الجماهيري.. فوجدوا ضالتهم وديعة تنتظر من يلتقطها... والأزمة في تقديري حتى الآن تكمن في المواصلات وما حدث من حرائق ونهب وسلب ما هو إلا استغلال من بعض الخلايا بعضها يتحرك بدوافع عدائية ربما كانت طبقية أو عنصرية أو سياسية أو حتى جهوية..!! فلم يفرق هؤلاء بين أمجاد محمد علي (مثلا) ووزارة المالية التي تشرع في هذا الإتجاه فصاحب الأمجاد متضرر ومتبرع وفي نفس الوقت مساهم لتخفيف حدة الأزمة .. وكذلك صاحب البص الذي يحمل اسم الوالي ويمتلكه مواطن مسكين ..اشتراه بالإقصاد بعد أن باع أو رهن منزله .. وكتب (شيكات) تحوله للسجن والبقاء لحين السداد ويأتي حاقد وبكل عدم مسؤولية يشعل فيه النار .. فأين يذهب هذا المسكين صاحب البص؟؟ فلا تأمين يعوضه ولا بنك يعزره..!! وسؤالي الجوهري .. لكم سادتي القراء ولأولئك المخربين .. هل سمعتم أن الثوار المصريين قد حرقوا الطلمبات والبصات؟؟ وهل توقفت رحلات العلاج من السودان إلى مصر وهل حرقت الصيدليات ؟؟ وهل تأثر النقل بهذه الثورة ؟؟ في تقديري أن كل ذلك لم يحصل لأن تقدير المواطن المصري لوطنه كان أكبر من عدائه للنظام الذي فعل ما فعل .. أما الذين خرجوا هنا في أمرمان وحرقوا هم من العناصر ذات الدوافع الخاصة ولا علاقة لهم بما حدث من زيادة في الأسعار.. صفوة القول: مطلوب من الحكومة أن تتحرك عاجلا لحماية ما تبقى من ممتلكات المواطنين بكافة الوسائل المتاحة والمشروعة لأن ذلك جزء أصيل من عملها والتقصير فيه غير مقبول البتة , وأن ما يحدث الآن هو شغب يمكن أن يستغل ويتمحور إن لم تدركه فطنة الحكومة..!!! والأمر الآخر أن تعمل حكومة ولاية الخرطوم بإنزال كافة التراحيل الحكومية إلى الشارع لنقل المواطنين معالجة لإضراب أصحاب الحافلات ومن ثم التفكير في المستقبل القريب لطرح مواصلات الخرطوم في عطاءات خاصة على أن يتنافس في ذلك كل من يرغب من أصحاب الشركات الخاصة.. تفاديا لمزاجية أصحاب الحافلات لا سيما أن يكون ذلك على ثلاث قطاعات (أمدرمان وبحري والخرطوم).. ولا بد أيضا من الإنحياز بشكل كامل للقضايا الجوهرية للمواطن مع العلم أن التصريحات الحكومية هي التي تسببت في إشعال السوق رغم أن هنالك وفرة كاملة في الأصناف .. فالأمر يحتاج إلى خطاب تطميني يعيد الثقة والطمأنينة في نفس المواطن ويكافح الجشع في نفس التاجر.. وانتبهي أيتها الحكومة فأمن المواطن وحماية ممتلكاته أولا؟؟