الذي يتسم به رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر وجلوسه على رأس أكبر مؤسسة تشريعية بالبلاد ولعدة سنوات لم يشفع له أن يتم الارتضاء به حكماً ليفصل بين تيار الحراك الإصلاحي الذي خرج من أحشاء المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية «أصحاب المذكرة الإصلاحية» والحزب الحاكم.. فبعد اختيار رئيس الأخير للطاهر رئيساً للجنة تحقيق شُكلت مطلع هذا الشهر هاجم القيادي المعروف د. غازي صلاح الدين مسألة ترؤس الطاهر للجنة.. بل الأمر لم يقف عند ذلك الحد حيث فصل غازي وإخوانه مسائل فنية منها أن رئيس اللجنة لا يصبح رئيساً إلا بعد الموافقة عليه ممن هم قيد المحاسبة.. وأن الخطاب لم يشر إلى حقوق المحاسبين فى التظلم والاستئناف ولا الجهات المعنية بذلك وهي مسائل قانونية بالطبع لا يتوقع أحد أن «تفوت» على القانوني رئيس البرلمان . ** لكن رفض «الإصلاحيين» للطاهر بلغ مداه عندما قالوا: « الثابت والموثوق منه لدينا أن سيرة السيد رئيس اللجنة- يقصدون الطاهر - في العمل العام تؤكد عدم حياديته ونهجه المعهود في إمضاء القرارات المتخذة سلفاً.. ولذلك فاختياره رئيساً للجنة يقدح في قدرتها على إقامة ميزان العدل ابتداءً». حديث مجموعة الحراك اعتبرته مجموعات داخل المؤتمر الوطني تشويهاً لسمعة البرلمان وتقليلاً من شأنه قبل رئيسه.. وتتطابق تلك الاتهامات مع التصريحات الناقدة التي كان يوجهها قيادات الحركة الشعبية إبان حقبة اتفاقية السلام الشامل للطاهر خاصة من التي كانت تخرج من بين شفتي رئيس لجنة الإعلام والاتصالات وقتها ياسر عرمان حتى أن البعض حمّل الطاهر مسؤولية حالة الاحتقان التي كان عليها البرلمان وقتها إن لم يكن المساهمة في انفصال الجنوب، بينما يرى مدافعون عن الطاهر ومنذ وجود الحركة الشعبية تحت قبة البرلمان أن أداء الطاهر كان يتسم تماماً مع الواقع.. بل إن أمثال القيادي بالوطني عضو البرلمان السابق يس محمد نور كان يرى أن الطاهر كان يؤدب أمثال عرمان.. ومعلوم الخلاف الشهير والعداء السافر الذي كان بين يس وعرمان فيما عرف بحادثة «المسدس». لكن طول بقاء الطاهر على سدة رئاسة المجلس الوطني ظلت محل انتقاد وإن لم يخرج للعلن خاصة وأن المؤتمر الوطني في فترة ما أراد أن يؤسس إلى ضرورة إبعاد كل من أكمل دورتين في منصب بعينه.. وأشار البعض إلى ضرورة أن يبدأ إعمال ذلك المبدأ من البرلمان كونه جهازاً تشريعياً يفترض أن يكون أكثر شفافية بخلاف كافة مؤسسات الدولة.. لكن البعض اعتبر عدم توفر الشفافية في البرلمان بالشكل الكافي وتحديداً تجاه رئيسه الطاهر خاصة عندما كشفت الزميلة «الصحافة» العام الماضي عن الراتب الحقيقي لرئيس البرلمان وكان مبلغاً ضخماً حتى أن الكاتب الإسلامي المرموق د. الطيّب زين العابدين علّق على المسألة.. وأثارت المسألة وقتها لغطاً وربما وجد الطاهر نفسه في مأزق حيث كان الحديث عن مخصصات الدستوريين وقتها يشغل الساحة خاصة تحت قبة البرلمان الذي طالب نواب وقتها وضغطوا في اتجاه تخفيض مخصصاتهم إلى أقصى درجة. لكن المتتبع لمسيرة الطاهر القانوني المعروف والذي مارس المهنة قبل أن ينشغل بالعمل السياسي والتشريعي يلحظ عدم جنوحه للرد على خصومه- وإن شئناً - منتقديه رغم أن مهمة المحامي في المقام الأول «الدفاع» قبل «الهجوم».. وكان الزملاء الصحفيون المعنيون بتغطية نشاط المؤتمر الوطني قد تحلقوا حول الطاهر أمس الأول عقب خروجه من جلسة تحقيق مع بعض أصحاب المذكرة الإصلاحية وطلبوا منه إفادتهم بما جرى وأجاب أحمد إبراهيم عليهم ملوحاً بيديه الاثنتين يمنة ويسرة في إشارة إلى القول: «ما عندي ليكم حاجة». اتهامات مجموعة الحراك قد تكون ذات دوافع سياسية خاصة وأن أحاديث هامسة تشير لوجود خلافات عميقة بين الطاهر والعتباني سيما وأن الأخير كان رئيساً لكتلة نواب الوطني بالبرلمان لعدة سنوات قبل أن يتم إقصاؤه.. ويقول أنصار غازي العتباني إن الطاهر وقف وراء تلك الخطوة بعد إرهاقه للطاهر في شؤون برلمانية كثيرة.. فضلاً عن أن الطاهر كان يجابه باتهامات على شاكلة عدم عدالته في توزيع الفرص لكن هجوم الإصلاحيين هو الأخطر سيما وأن الطاهر يترأس لجنة المحاسبة والرقابة في الحزب التي يتردد أن ملفات كثيرة عالقة بطرفها. ومع ذلك يعد الطاهر الذي جوبه بحملة ضارية عند ترشحه بدائرة المزروب بشمال كردفان مستودع ثقة لدى القيادة العليا ويكفيه أن الرئيس وضعه على رأس لجنة لماحسبة عتاة من الإسلاميين أمثال غازي وود إبراهيم وبروفيسور محمد سعيد حربي وحسن رزق.