مهما كان من جفاف تفاصيل الحياة ورغبة المرء للانعزال تبقى الصداقة حاجة انسانية مستمرة ومستدامة لا تنفك عن فطرة ان الانسان كائن اجتماعي.. استوقفني الخبر التالي «يقوم الشاب الياباني تاكانوبو بعرض خدمة فريدة من نوعها في شركته (اوسان للتأجير) حيث يمكن لاي شخص طلب تأجير رجال يابانيين كاصدقاء مقابل عشرة دولار في الساعة».. وقد يكون مصدر الغرائبية ان المشاعر الانسانية اصبحت في «سوق الله اكبر» باعتبارها سلعة هذا ان نظرنا للامر من جانب عميق.. اما اذا ما نظرنا لطبيعة الحياة العصرية التي ارتبط ايقاع اي شيء فيها بالسرعة الامر الذي يدخلنا في بند التعجل وعدم الريث وعدم التعمق اعتماداً على ان الوقت لا يسعف للعلاقات الانسانية الصميمة المتينة وكأن كل حوجتنا للاصدقاء باتت من اجل حوجة حرجة لحظية او انية تنتهي بانتهاء المشاعر المؤقتة لكأنما الصداقة ادرجت في بند الموسمية والوقتية اللحظة.. بمعنى ان كانت حاجتك اللحظية لضحك ولعب ولهو ما عليك الا ان تقوم بتأجير «ممثل كوميدي» يقضي لك هذا الوطر.. اما ان كنت في حاجة ماسة للحديث والفضفضة ما عليك الا ان تقدم طلب ايجار للمختصين في مجال الطب النفسي او ربما اشخاص اصحاب ميزات خاصة في الحديث والجرجرة والتنظير والاستماع.. وقد ينفتح بند الاحتياجات الانساني العاطفي ليشمل الايجار من اجل الحب والرومانسيات.. فيكون من الممكن تأجير محبوب لممارسة المرافقة بالحدائق وطق الحنك الناعم واجترار الكلمات المشحونة المليئة بالدفء وتكون مواصفات المستأجر مخصوصة على انه يقدم ما يقنع طالب الخدمة «المستأجر» بكل حالات الاشباع النفسي دون اللجؤ لحلول مثل الايجار من الباطن وغيرها من فلسفة ايجارية «تجارية».. وقد ينفتح الباب للكثير الكثير من المحن الانسانية وما اصعب ان تكتشف ان حياتك جميعها اصبحت في سلطة المال وربما ان اتسعت دائرة «الايجار الانساني هذه» لن نجد يوماً ما نتأكد به من حقيقة وجدية انسانيتنا.. والخوف ان ينتقل الامر لنا في «السودان» الذي يدمن البعض فيه اجترار التجربة.. فلنتخيل ان احدهم فتح نافذة لهذه الخدمة وقدم فيها نجاحاً بالتأكيد سوف يقوم بتقليده الكثيرون تماماً مثلما حدث في محلات الاتصالات وتركيب العطور في ايام خلت.. «عبدو» عندما حدثته بالخبر.. ضحك وقال سوف يقوم بتأجير من يقوم بدور الموظف الغلبان ويمارس عليه اسقاطات المدير التي يعاني منها «عبدو» في مؤسسة العمل.. كأن يقوم بزجره على التأخير وعدم الانضباط وغيرها.. ويذهب «عبدو» من ضحكته الطويلة ان الامر ربما يصبح متنفساً يحل الكثير من العقد النفسية المتجذرة عند البعض حيث يجدون حظهم في اقتسام السلطة والثروة ولو من باب الايجار المؤقت وربما اتسعت «الشغلانة» ودخلت فيها الحركات والمنظمات و.. و.. ويبقى دائماً هناك تمثيل لحظي ينتهي بانتهاء مدة الاستئجار. اخر الكلام.. ما يميزنا في السودان هنا هناك ركن من الانسانية ان زاد او قل يبقى معنياً لنا في الملمات والاحزان والاتراح والافراح.. لمة الاهل والاحباب عند المصاب.. اللهم ادم علينا هذه النعمة.. مع محبتي للجميع