الأمومة طاقة جبارة تتميز بها المرأة، إذا لم تجد طريقة طبيعية لتعبر عن نفسها تستحيل إلى طاقة مدمرة. لا تبقى المرأة ضمن (النفاثات في العقد)، إلا عندما تحتقن هذه الطاقة. أما أقوى أسباب الإحتقان فتتمثل في أسواق العمل والبيئات الاجتماعية غير المرشدة. ممارسة الوظيفة تفتن المرأة وتمنحها إحساساً كاذباً بالندية في مجتمع الذكور. تعيش مفتونة بهذه (الحقوق) لما يقارب العشرين عاماً ثم تستيقظ في سن(الخمسين).تضطر للزواج لتبدأ حياةً مضطربة (وتفطر على بصلة) بعد حرمان طويل. لكي لا تفقد آخر ذيول الأمومة الهاربة تضطر لتقبل زوجاً من نوع «ذكر النحل» للتلقيح فقط! إما أنه شاب لا يملك مالاً أو كان غنيا من الشيوخً نثر افخاذه بين عدد من النساء . رجل في الحالتين لا يملك (صحبة) طبيعية لحياة سعيدة. نترك هذه المعاني معلقة في ذهن القارئ لتتفاعل هناك، وننتقل لقصة بطلتها (غنماية) عذراء سماها مثقفو الحي بتيس بلولة: كان عم عبد الرحيم بلهجته النوبية العربية يلفت أنظارنا، لهذا كانت مجالسه في بروش الأفراح والمآتم عامرة بالصغار والكبار يسمعون نوادره. كان يصحب معه ابنه بلوله أينما ذهب، فلم يكن له أسرة يعيش معها في تلك الأكواخ من القش سوى طفله ذاك. يقول عن نفسه: إنه بدأ رحلته من الدبة متنقلاً في بلاد النوبة يعمل في النخيل وقطع المحصول في المواسم. وبعد أن ماتت زوجته وهي في حالة ولادة ترك بلاد السكوت وهاجر إلى الشمال ليعمل طيانياً. عندما مات عبد الرحيم ترك لبلولة الصبي ثروة كبيرة جمعها من مجتمع لا يحب العمل اليدوي وهو متروك للوافدين. لم يكن بلولة مهتماً بأرض الساقبة التي اشتراها والده حول أكواخ القصب التي تربى فيها، بل أجرها للعمدة الذي كان يتطلع لمصاهرته. ترك بلولة مهنة والده وطفق يمارس هوايته القديمة وهي رعاية الأغنام، تعود التعامل الحميم مع روائح الزرائب والطين الرطب في معاطن الأغنام والفضلات القذرة وبقايا الروث. هذه الأجواء انعكست في وجدانه كإحدى المذاقات الحلوة المرتبطة بالنشأة. وسط هذه الأغنام لم ينس سخلةً كانت تشاركه العنقريب بل كان يستيقظ صباحاً على أنفاسها الحارة وهي تشم وجهه! على عكس العادة المتبعة هناك، أخذ بلولة يستثمر أمواله بتربية أعداد كبيرة من الضأن والماعز، اشتد ولهه بالأغنام لدرجة أنه كان يقوم بنفسه بحفظ (التابع) عندما تلد إحدى الأغنام بعيداً عن متناول الكلاب الضالة، وكان في الاعتقاد الشعبي أن ذلك يمنع الأغنام من الولادة مرة آخرى!! ومن النوادر المضحكة التي كانت تنقل عنه أنهم وجدوه يشتري لباس فتيات في سن الزواج فسألوه، لأنهم يعرفون أنه غير متزوج ولا يملك أسرة، فقال إنه يعالج العنز من الانتفاخ عندما يضربها بلباس النساء!!.هذه السخلة التي استحوذت على عواطفه بدأت تظهر عليها أعراض القوة والصحة الجيدة على عكس الأغنام الأخرى التي ظلت ضامرة من كثرة در الحليب وسوء التغذية!. ظلت طليقة حرة تأكل من زروع الساقية كما تشاء، واتسعت شهرتها. أما المجتمع النوبي فقد أصبح لا يملك خياراً سوى أن يستجيب لها أينما ذهبت. حتى أن طلاب الجامعة الذين كانوا يفدون في إجازات الصيف يطلقون عليها لقب (تيس بلولة ).هذا (التيس) في حقيقة أمره من العنز النوبي الجيد، ولأمر ما كان بلولة الذي عاش وحيداً في بلاد النوبة يتبرك بها ، وهي في الأصل من سلالة مجلوبة من منطقة العقيلات. تربت هذه (الغنماية) في دلال، كل حساب بلولة في دكان القرية كان منصباً في الذرة الفيتريتة . وهي طعام هذه الأنثى المسترجلة في موسم الجفاف وهذا فضلاً عن «الكشرنيق»، وهو نبات مفضل أيام الرخاء . لأنها كانت مقدسة منع بلولة عنها التيوس الحقيقية ، فلم يكن يريد منها لحماً ولا لبناً ولانسلاً ! لهذا شاخت هذه العنزة بكامل بكارتها .وظلت هي (الغنماية العذراء)التي لم يكن لها مثيل في المجتمع النوبي !.. هذه العجوز بشعرها المنفوش ومنظرها القبيح لم تكن كرصيفاتها من الغنم النوبي الوديع. وعندما تقدم بها العمر بدأت تقلد أصوات الذكور، وتسوق أمامها قطيعاً من التيوس الحقيقية الضامرة. من ينظر إليها في الأزقة والحواري كان لا يعتريه شك في أنها (سيد) التيوس، وقد بدأت ظاهرة للعيان تلك (الخصوصية) التي دفعت طلاب الصيف ليطلقوا عليها اسم (تيس بلولة). سألت صاحبي الذي كان يطارد أخبارها حتى وهي نائمة في (الضحى)دون أن ينزعج لروائحها الكريهة.. كيف تتحكم هذه الشمطاء في بلاد النوبة؟ قال: ألا تعرف شيئاً عن الكنداكات ودور المرأة في عروش الحكام النوبيين؟ قلت: تقول ذلك وكأنك لا تعلم أن أهم أسباب تقويض (العرش النوبي) جاءت من تقديس الإناث. ورثوا ابنها فأستأثر الوافد بالملك!. ولم يكن دورها في الحكم إلا رمزياً. كانت المرأة الملكة حارثة جاه أو وصية عرش، أكثر من بانية امبراطوريات. قال بشيء من السأم .الخلاصة يا صاحبي أنا مهتم بهذه الغنماية الهرمة التي جلبها بلولة من بلادكم إلى حواري (السجانة ونمره3)، لأنها تجسد في وعي ثقافة (المرأة المسترجلة)زوجني أهلي بامرأة من ظاهرة (تيس بلولة) فاتها قطار الأمومة ولم أقبل بها إلا لأنها غنية وارثة !!قلت وأنا أكثر سأماً من صراحته المزعجة: أنت تجازف إذن بشبابك ولن تجد في الشيخوخة أحداً حولك ! قال وهو يشعل مكنة السيارة: أنت يا صاحبي عقلية بدوية متخلفة ما زالت مسجوناً في تاريخ تلك الأبوة الغابرة!.. وهو يضغط على الدواسة قال: عشقتها هكذا شمطاء يا أخي: وللناس فيما يعشقون مذاهب!! //