الإذاعية الرائعة إسراء زين العابدين امتعتنا جداً بسهرة إذاعية استثنائية ساحرة، استضافت فيها ثلاثة فرسان من نجوم الصحافة.. كان الحضور والذكاء حاضراً في خاطر نجمتنا الإذاعية الباهرة(إسراء)، وكان الحوار الذي اتسم بخفة الظل والمعلوماتية والحميمية الدافقة بين الضيوف ومستضيفتهم النجمة (إسراء)، التي أضفت على جو السهرة القاً وجمالاً وعطراً، فكانت السهرة بحق اسراء ل(اسراء) بين بيت الإذاعة وسماء الصحافة، فتعطر الأثير بالحديث الحرير، الذي خرج من بين لهات النجوم مترعاً بالطل والندى وزخات المطر، التي كانت تداعب خصلات الأبجدية، فكانت الكلمات والإيماءات والانتقالات من نجم الى نجم بوحاً عبقرياً.مزهرية السهرة ضمت (بوكيه) ورد من المع نجوم الصحافة السودانية، وهم الأخ الصديق الدكتور عبداللطيف البوني، هذا الفتى الجميل الحنطي الوشاح، القادم من (الضهاري) من (اللعوتة)، لينثر في الخرطوم عطر البنفسج والحرف الطيب الممراح، الذي يريده عبر جرف الابتسامات السامقات، أن يقول الكثير والمثير الخطر ل (ناس السودان من قبل) و (ناس الخرطوم من بعد)، إن الضهاري وبلدة اللعوتة تستطيع لهذه الحسناء المدللة التي اسمها الخرطوم أن تقول شيئاً. قبل أن تسرقني سيرة ومسيرة البوني عن الضيفين العزيزين الآخرين.. الأستاذ عادل الباز رئيس تحرير صحيفة الأحداث المشكاة، والأستاذ فيصل محمد صالح النجم الصحفي المتألق، هكذا أعلن عنهما (البوني) فاصل ونواصل الحديث عن الآخرين.الآن وبعد الفاصل أعود الى البوني الذي جاء من اللعوتة الى الخرطوم، في رحلة تشبه الى حد كبير رحلة (ابوالعلا البشري)، لكاتبها عبقري الدراما التلفزيونية المصرية الراحل أسامة انور عكاشة، وكان قد جسد شخصية (ابوالعلا) نجم نجوم السينما والتلفزيون المصري النجم الراحل أحمد مرسي.أنا ياسادتي أبصم بالعشرة على إنني واحد من مدمني كتابات ذاك الحاطب ليلاً.. د. عبداللطيف البوني، الذي يقضي ليلته مسهداً وقلبه معلقاً بصاحبة الجلالة.. الصحافة.. القيافة .. الأناقة.. يترك فراشه فجراً ويصليه حاضراً، وعند الضحى إلا قليلاً يأتي الى الخرطوم، وهو يحمل على كتفيه حصاد الأبجدية والحكمة والابتسام، الذي يعده خلال الليل بعفويته و(ترابه)، كما يقول الأبنودي، ويدفع الى المطبعة عموده (حاطب ليل)، الذي يجمع فيه رحيق الألق والنجوم وعطر السنين، وليس (الخبوب والطين والثعابين) التي تدخل عادة خلسة في أشياء (حاطب الليل).. صحيح أن البوني يذهب ويحتطب ليلاً، ولكنه لا يجمع لنا الطين والثعابين، وإنما يجمع لنا عطر الياسمين وما تشتهيه العيون من فوح وبوح أزهار الليمون، ولا يفعل هذا في بلاط صاحبة الجلالة، إلا البوني الذي حباه الله بوجه مبتسم وسيم وقلم جميل.. يبتسم في وجه الناس وينثر (الحكي) اللطيف، الذي لا يحكيه إلا عبداللطيف وقد ذكرت ذلك آنفاً.. لقد امتعني يوماً عبداللطيف بقصة كتبها في عموده، ودارت القصة حول حكاية (سيدي الشيخ الفلاني، وكان له (تيس) ولا كل التيوس التي شهدها كوكب الأرض، وكان التيس يخرج في الصباح، ويذهب الى المزارع القريبة، ويعيث فيها فساداً ودماراً دون أن ينتهره أحد من تيوس البشر، لأنه (تيس سيدي)... تقول القصة إن أحد المزارعين وقف مبهوتاً أمام (التيس) الذي اتلف الزرع ولم يترك الضرع، وحينما شبع خرج من المزرعة وهو يتضرع فقال له المزارع (ما بدري يا خليفة).ونواصل من غير فاصل الحديث عن تلك السهرة الاستثنائية، وهكذا يأتي دور ذاك الصحافي الشاهق.. النجم الثاقب الأستاذ عادل الباز رئيس تحرير صحيفة الأحداث المشكاة، الذي انطلق في بداياته من الصحافة الجامعية، وكانت محطته الأولى في الصحافة اليومية صحيفة (الوان)، واقترب من النجوم، وكان أول النجوم هو الأستاذ حسين خوجلي، مالك ناصية الشباب المتجدد، والقلم الأنيق الذي يتفجر ضوءً ويفوح عطراً.. بدأ (الباز) رحلته الصحفية بصحيفة (الوان) التي يلتقي عندها كل أطياف (قوس قزح)، وبدأ نجمه يتألق فيها مثلما تألق في صحف أخرى عمل فيها، منها السياسية، ومنها الثقافية، ومنها صحيفة (سنابل)، ثم ترأس تحرير صحيفة (الصحافة)، ومنها انطلق الى صحيفته التي يملكها (الأحداث)، ولا أدري لماذا كلما تقع عيني على صحيفة (الأحداث) تنهض في ذاكرتي مجلة الحوادث البيروتية، التي كان يملكها ويرأس تحريرها الصحافي العربي المصادم الأستاذ سليم اللوزي، ذاك العاشق للكلمة الحرة الطليقة، التي لقيه من أجلها مصرعه ورحل الى السماء شهيداً للصحافة العربية تماماً.. تماماً كشهيد الصحافة السودانية محمد طه محمد أحمد الذي ذبحوه، وقبله سليم اللوزي الذي قتلوه، وصدرت مجلة الحوادث وهي تحمل كلمة واحدة على غلافها الأسود.. (قتلوه).. الفارق بين اللوزي والباز ربما يكون فركة كعب، أو أميالاً، فكل له مدرسته الخاصة، وربما يجمع بينهما عشق الكلمة والاسم، إذ إنه ليس هناك بعد ومسافة بين الاسمين الأحداث والحوادث.إنني يا سادتي لاعرف الباز معرفة شخصية، وتشرفني معرفته، ولكن الأيام وبلاط صاحبة الجلالة لم يجمعنا، ولعل ذلك يذكرني بقول الناقد العربي الكبير رجاء النقاش عن عبقري الرواية العربية الراحل الطيب صالح طيب الله ثراه.. قال النقاش: إنني لا أعرف الطيب صالح، وحينما قرأته عرفته، ومن ثم إنني لم أكن أعرف الأستاذ عادل الباز، وحينما قرأته عرفته، وفي هذا السياق فإنني لم التق بالأستاذ إلا مرة واحدة في اكتوبر من العام الماضي في صالة السلام روتانا، حيث كنا ضيفين على الملحق العسكري المصري وهو يحتفل باسم مصر والسفارة المصرية بالسودان بعيد العبور 6 اكتوبر العظيم، الذي أعاد للأمة العربية عنفوانها ومجدها وياسبحان الله.. لقد مر عام على هذه المناسبة الكبرى، وهكذا يطل علينا بعد أيام معدودات اكتوبر العظيم، شهر الثورات العربية، ففي ثورة أكتوبر الأولى هبت ثورة المك نمر على رمز السلطة العلوية اسماعيل باشا، الذي لقي مصرعه اختناقاً بعد أن أضرم جنود المك النار حول الباشا، رداً على إهانة الغليون، ثم اندلعت ثورة أكتوبر الأخضر في السودان، وبعدها اندلعت ثورة أكتوبر الأحمر على أرض مصر الطيبة أم الدنيا وبيت العرب.أيضاً.. أيضاً وبدون فاصل اتحدث عن ضيف السهرة الثالث، وهو الأستاذ فيصل محمد صالح، وهو بالمناسبة- وحسب ماقال فى السهرة أنه دفعة (الأذكياء فقط)- ومنهم الفريق قوش، والوزير الأثير كمال عبداللطيف، الذي أعطى، وما استبقى شيئاً في حقيبته الوزارية السابقة، ويأت اليوم ليكمل مشوار العطاء في حقيبة وزارة التنمية البشرية.. قال فيصل في السهرة: إنه دخل جامعة الأزهر مقبولاً في كلية الجولوجيا، وبعد سمستر واحد أو اثنين طلب تحويله الى كلية الإعلام، وكان اختياره موفقاً، حيث أعطتنا هذه الكلية أحد المع نجوم الصحافة السودانية، وأحد المحللين السياسيين في إذاعة ال (بي بي سي)، وبالمناسبة أوجه سؤالاً الى الدكتور كمال عبيد.. متى يتم الإفراج عن هذه الإذاعة بالخرطوم؟ وقد أصبح ليل الخرطوم بدونها يتماً، ولكن العزاء كل العزاء في إذاعتنا ال (سين.. سين.. سين) يعني (سودان.. سوي.. سوي) وعاشت الوحدة الوطنية.