السودان دولة إسلامية مستقرة منذ عهد مملكة الفونج وبعد وصول شيوخ الطرق الصوفية الذين كانوا هم رواد الثقافية الإسلامية التي انتشرت في كل أنحاء السودان، حيث انتشرت خلوات تحفيظ القرآن الكريم وتدريب وتعليم اللغة العربية. بعد انهيار دولة الفونج وسيطرت جيوش محمد علي باشا على البلاد استمرت خلاوي القرآن الكريم منارات التعليم، وخرج من بين تلك الخلوات محمد أحمد المهدي وأعلن الثورة واستنفر شيوخ الخلوات وشيوخ الطرق الصوفية، فوجد منهم التأييد الكامل ونصروا الثورة المهدية، وأعلنوا الدولة الإسلامية، ولكنها لم تستمر طويلاً إذ جاء الانجليز واحتلوا السودان، ولكن نفوس السودانيين رفضت الخضوع والهيمنة وطالبوا بالاستقلال، وسافروا إلى مصر وانجلترا في وفود تفاوض فتم الاستقلال في هدوء وإتفاق. تأسست أحزاب سياسية قبل الاستقلال وشاركت في أعمال الاستقلال ونجحت. منذ الاستقلال وحتى اليوم تعاقبت على حكم البلاد حكومات حزبية متعددة وحكومات المؤسسة العسكرية المتحالفة مع فئات مدنية، وكل هذه الحكومات واجهت صراعاً مازال مستمراً على السلطة عطل مسيرة البلاد.. وأعدم فضيلة التعايش الحميد التي كان من الواجب أن يتحلى بها الناس داخل كياناتهم الحزبية، لتكون مستقرة تشكلها رابطة متينة من العلاقات الوطنية الحميدة. الصراع على السلطة جعل البلاد تنتقل من صدمة إلى صدمة أخرى، وهذه الصدمات جعلت السودان يئن تحت وطأة ثلاث مطارق قوية. الأولى مطرقة الأحزاب السودانية التي فشلت في إدارة البلاد بصورة صحيحة، ونتج عن هذا الفشل سيطرت المؤسسة العسكرية مع الكيانات المتحالفة معها بالسيطرة على الحكم فظهرت تشكيلات تكونت حديثاً منشقة عن أحزابها الأصلية، وتحالفت مع الحزب الحاكم الذي وصل إلى السلطة عن طريق المؤسسة العسكرية. الكثير من قادة الأحزاب من أصحاب النيات الحسنة والمشاعر الوطنية النبيلة، فليعملوا على توحيد أحزابهم ويحكموا العقل بعيداً عن الأطماع في السلطة ويصيغوا البرامج والأهداف لأحزابهم ويلموا الشمل في حزب واحد متوافق ومتجانس، وله رؤية واضحة تؤدي إلى الوحدة والترابط من أجل الوطن.. المطرقة الثانية مطرقة الحركات المسلحة العنيفة التي تكونت حديثاً وهي أخطر المطارق وأقواها، وهي الكائن الآخذ في التشكيل الآن تحت رعاية دول الهيمنة والصهيونية العالمية ليصبح تنظيماً قوياً يستهدف الجانب الثقافي والروحي والأصالة والتطور الاقتصادي والحضاري، تعمل الحركات المسلحة على دمار وتخريب البلاد، وبعد ذلك تأتي مرحلة تحويل المجتمع إلى مجتمع استهلاكي في معسكرات النازحين، التي تشرف عليها المنظمات الغربية وتبدأ عملية الانفصال عن الحضارة العربية والإسلامية والتراث والتاريخ، وتبقى البلاد مشدودة إلى العواصم الغربية التي تأتي منها الإغاثة. المطرقة الثالثة تعمل بصورة هادئة لتكمل أعمال الحركات المسلحة، ولكن تحت مظلة التعليم الخاص وفي أوساط الصفوة في عاصمة البلاد، ولا أعلم لماذا منحت وزارة التربية والتعليم فرصة العمل لمدارس أجنبية تمتنع عن تدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية. من أهداف هذه المدارس العمل على تحول أخلاقي جذري يغرس أنماطاً معينة من السلوك والذوق، وخاصة على الأطفال الذين لم تتكون لديهم ملكة النقد، والحصانة الذاتية فيقعون تلقائياً فرائس سهلة لما يعرض عليهم من توجيهات بالصور والرسومات المؤثرة، وبما يعرض عليهم من قيم الغرب وبما يقدم لهم من أطعمة وأشربة. هذه المدارس تعمل على وقف اللغة العريبة من الانتشار بإقناع وتعليم الصغار، أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الحية التي يتحدث بها العالم، وهي لغة الحضارة والثقافة، ليحاربوا اللغة العربية الفصحى ولهجاتها الشعبية للوصول إلى تمزيق الأمة، وفك وحدة اللغة والفكر والعمل، لتجعل من الأمة الإسلامية عقليات متضاربة بدلاً من عقلية واحدة. الامتناع عن تدريس التربية الإسلامية الهدف منه إقصاء القرآن الكريم عن الأطفال، وهذا يؤدي إلى هدم العلاقات الأسرية، وتفكيك علاقاتها المتماسكة بفضل الدين الإسلامي.. وهذا يؤدي إلى عزل الطفل عن قضاياه وهمومه عندما يكبر، وتساهم في هذا الجانب شبكات الاتصال الحديثة والقنوات الفضائية، التي يتم توجيه التلاميذ لمشاهدة ما تبثه من أفلام وبرامج أخرى بلغة سهلة، لها تأثير فعَّال على عقل التلميذ المشاهد. هذه المدارس الأجنبية تعمل للفصل بين الدين واللغة وأنظمة الحياة الأخرى للمجتمع، وتعمل على تغيير قواعد المجتمع، والتغيير عمل يومي، وبجهد حثيث ويتم بصورة هادئة لتنجح التحولات بشكل مرتب ومنظم على كل أسرة سمحت لأطفالها بالإرتباط بهذه المدارس.. وبذلك ينعكس تأثير هذا التعليم السلبي على الأسرة والبيئة المحيطة والمجتمع عبر سلوك هؤلاء الأطفال وتصرفاتهم، والتغيير هو عملية تطال المفاهيم والتصرفات الذاتية، ويصاب الطفل بغربة اللسان في وطنه وبين أهله، فيتحطم أو يهاجر إلى الغرب وتفقد الأسرة أحد أبنائها، وربما كانوا جميعهم. المدارس الأجنبية إحدى الآليات القوية الداعمة لمشاريع العولمة التي يراد لها أن تصبح نموذجاً فكرياً وحيداً مطلوب تبنيه، وهنا في السودان بات الأمر واقعاً وفتحت المدارس التي تمتنع عن تدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية، وبدأت تعمل في أرقى أحياء العاصمة وتستوعب أبناء الصفوة في المجتمع. في هذه المدارس يتم إعداد هؤلاء الصغار على الطريقة الغربية وتوظيفهم لخدمة ثقافة النظام العالمي الجديد وأهدافه والعمل على نشر نوعية مميزة من الثقافة المادية والمعنوية، ومنها ثقافة عدم التفرقة بين الرجل والمرأة ولهما كامل الحرية في حياتهما حتى العلاقات المفتوحة بينهما، وثقافة فن الرقص والغناء والموسيقى، واعتماد المفاتن البشرية الأنثوية منها خاصة باعتبارها عناصر جمالية يجب إبرازها، وكي يحدث هذا ثم الفصل بين الدين وأنظمة الحياة المختلفة، لئلا يكون الدين عائقاً أمام التغيير للأنظمة والأعراف في المجتمع. هذه المدارس الأجنبية عبارة عن إعصار مدمر يقتلع جذور الهوية والثقافة السودانية ولذا واجب الدولة مراجعة وضع هذه المدارس وإغلاقها. من واجبات الدولة حماية اللغة العربية والدين من خلال تطوير الأنظمة التعليمية وتقوية الثقافة الوطنية والحفاظ على روح الفخر بها بين الناس لمواجهة الثقافة الغربية الدخيلة التي سوف تحطم كل الموروث الثقافي في البلاد. واجب الآباء والأمهات أن لا ينبهروا بالمدارس الأجنبية والإعلان عنها وتوجد الكثير من المدارس السودانية الخاصة التي تعمل في مجال تعليم الأطفال على أسس صحيحة وأخلاقيات سامية. ليتذكر الأباء والأمهات أن الله سبحانه وتعالى سوف يسألهم عن هذه الأمانة التي منحهم لها وهم هؤلاء الأطفال، ولماذا دفعوا بهم إلى طريق الضلالة والكفر والضياع ومساندة دول الهيمنة والسيطرة. المطلوب من جميع المثقفين والعلماء بناء علاقات جديدة من خلال شبكة واسعة تحوي مفاهيم البناء والتقدم والتطور لهذا الوطن بالتنمية الزراعية والصناعية والحفاظ على اللغة والدين. والله ولي التوفيق