كثير من الذين ينقمون على هذه الحياة بعلل فقدهم لبعض أنعمها المادية وعدم مساواتهم بآخرين أنعم الله عليهم بالمال، وفي خضم هذا الركض والسعي خلف أطايب الحياة ينسون أن الله أعاضهم بأهم من ذلك، وهو نعمة الصحة والعافية، وكمال الأعضاء الحسية والحركية، وينسى هؤلاء أن آخرين إبتلاهم الله بنقص في بعض حواسهم سمعية كانت أو بصرية أو حركية لحكمة أوجدها، وأنا أمس الأول بقاعة الصداقة أتوسط كم هائل من هؤلاء الذين ابتلاهم الله ببعض القصور في أعضائهم أو حواسهم، في تظاهرة نظمها الصندوق القومي لرعاية الطلاب في ختام فعاليات مهرجان الإعاقة الأول بالجامعات والمعاهد العليا، ويكاد الجسد يقشعر من الفخر وأنا أرى هؤلاء الذين حرمهم الله من بعض الحواس يفيضون رضاء وحيوية ونشاطاً وإبداعاً في المجالات المختلفة رياضية وفنية، بل ويداهمك التأكيد بأن هؤلاء يتفوقون على كثير من الأصحاء قدرة وقوة وموهبة، وأن كثيراً منا يعيش النقص في كثير من الجوانب، رغم أن الله مدنا بكل صيغ الكمال وهو الذي أتقن فينا خلقه وقال في محكم تنزيله:«ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم».. والأهم من ذلك تلك الروح الحية التي يتحلى بها هؤلاء والإحساس بأنهم قادرون على بلوغ كل الغايات غير عابئين بأي عطل يصيب أي من حواسهم أو أعضائهم.. وقد أتقن د. النقرابي وصفه لهم وهو يسميهم (بذوي الهمم العالية) خلافاً لما إلتصق بهم من تسمية (ذوي الإعاقة)، وأحسب أن تشريف نائب رئيس الجمهورية د. الحاج آدم يوسف لمشاركة هذه الفئة الإحتفال له أكثر من مغزى، منها ما أعلنه بإهتمام الدولة بتلك الشريحة المهمة في المجتمع والتي إن أفردوا لها المساحات لملأوا الدنيا إبداعاً، وأحسب أن توجيهاته قد صاحبها الصواب وهو يدعو مؤسسات الدولة بأن تراعي تلك الشريحة وتضعها في الإعتبار، حين تخطط لبرامجها صحية كانت أو تعليمية أو خدمية، وأن تراعي الجامعات تلك الفئة في سياسات قبولها ومعاملها وخلافه، فمشاركة الدولة في مثل تلك الملتقيات الخاصة تمثل دافعاً معنوياً لمثل تلك الشرائح، وتحث الآخرين بأن تضع في الإعتبار ظروف هؤلاء وأن تفسح لهم المجالات ولو من باب العدالة الإجتماعية، لإخراج تلك الكنوز المخبأة في دواخلهم وحسن فعل صندوق رعاية الطلاب وهو ينظم مثل ذاك المهرجان، وتلك المسابقات التي تخرج تلك الإبداعات التي تستحق أن يكون لها وجود في كافة مناشطنا.. والجميل في الإحتفال أنه لم يقتصر على المعاقين من طلاب بل شملت بعض ذوي الإعاقة في مجالات أخرى يعطرونها بعذب إبداعاتهم، وقد حظيت صاحبة الجلالة الصحافة بفيض من هذا التكريم، والذي شمل الراحل الأستاذ الصحفي عبد المجيد عبد الرازق والأستاذة الصحفية أماني شريف، بجانب تكريم عازف آلة العود البارع أحمودي، بجانب المبدعين من الطلاب ذوي الإعاقة لتنقضي ليلة حفتها بركات إطلالة العام الهجري الجديد، والذي يشير إلى ما كابده رسولنا الكريم وصحبه الأبرار في سبيل هذا الدين الذي جاءنا سهلاً ميسوراً، ومن أحد معالمه هي العناية بمثل هؤلاء، ويكفي أن الله سبحانه وتعالى قد عاتب نبيه الكريم في الصحابي عبد الله بن مكتوم والذي نزلت في شأنه آيات بينات ليبين لنا كيف أن هؤلاء عند الله.