حقائق الأشياء ..قد لا تبدو متاحة في كل حين ومكان وقد لا يشوب أمر الإحاطة بها حالة اليسر و السهولة في التلقي ...في أحيان كثيرة تبدو الحقيقة باهته و صدئة و مختبئة خلف القشور والظاهريات التي يمكن أن تكون جميلة أو قبيحه ..هكذا حال بعض الحقائق الفنية والإبداعية والثقافيه في بلادنا ..تفتقر في الواقع إلى غربال عادل وفعَّال لينقي حالة الكم الهائل من الفنون وأشباهها من مما يسمى إعتباطاً إبداعاً لمجرد وصولة إلى بقعة الضوء الإعلامي دون حسيب ولا رقيب..وقد تعددت المسميات المؤسسيه التي وُضعت أهدافها تحت طائلة تقييم الأعمال الفنية والإبداعية بغية إكتشاف المواهب والقدرات الفنية وإعطائها فسحاً أوشهادة تسمح لحامليها بممارسة المهنة أو تعطيهم حقهم في أن يقدموا أو يطرحوا أنفسهم من خلال تميزهم الفني والإبداعي .. ولكن هيهات لمثل هكذا هيئات أومؤسسات أن تعبر تعبيراً حقيقياً عن واقع حالة التميز الإبداعي والفني وذلك لسبب بسيط يتجلى في كونها لا تعلم شيئاً عن مبدعين و فنانين لم يأتوا إليها .. فهي عبارة عن بوتقات إدارية كلاسيكية وروتينية التنظيم ولم يوضع ضمن أهدافها ما يدفعها إلى متابعة مواطن الحِراك الثقافي والإبداعي لتكتشف من هم الأحق بتلقي الألقاب والإهتمام وتسليط الأضواء الإعلامية وبذلك أصبح أمر الفن والإبداع عندنا بشتى ضروبه.. موسيقى ودراما وشعر ونقد وصحافة..لا ينبع أمر نجومية وشهرة الوالجين إلى غماره من حقيقة كونهم الأكثر تميزاً أو الأجدر من بين أقرانهم لتسلط عليهم أضواء الإعلام وعرصات إستديوهات الفضائيات و الإذاعات .. في حين أن أصحاب التميز والإبداع الحقيقي ( بمقاييس القواعد المتلقيه و لو كانت محدودة و شهادة المتخصصين في المجال المقصود ) ..ظلوا قابعين خلف جدار الإهمال و عدم الحفاوة الإعلامية و الإهتمام الرسمي وغير الرسمي ..وذلك أيضاً ببساطة ناتج عن أن مؤسساتنا الإعلامية المرئية و المسموعة و المقروءة لا تسعى إلى موطن الحقائق وبؤرة الحِراك الثقافي العام بالقدر الذي يقودها إلى إكتشاف الغث من الثمين وتحديد من يستحق ولا يستحق وبالتالي تقويم عدالة توزيع الفرص و من ثم المساهمة في دعم عجلة التنمية الثقافية والإبداعية والتي هي بنظري مطلب قومي لا يستقيم أمر السياسة والإقتصاد بدونه معظم أصحاب النبوغ الفني والإبداعي في شتى المجالات يأخذهم مبدأ إحترامهم لذواتهم وما ينتجونه من أدب وفن رفيع إلى علو إعتدادهم بشخوصهم الثقافية وتمسكهم بفضيلة عزة النفس والكرامة بالقدر الذي يجعلهم يأنفون التسكع في مكاتب مدراء البرامج في المؤسسات الإعلامية والضالعون في كتابة الصفحات الفنية والثقافية ..أمثال هؤلاء يمثلون ثروة البلاد الثقافية و هم الأنسب لأن يكونوا واجهاتها الفكرية والإبداعية كما أنهم مِعبر أساسي لحركة التطوير الفني والإبداعي..إن منحتفي بهم في حياتهم ونسلط الأضواءعليهم لن يستقيم أمر الفن والإبداع السوداني بمفهومه الإيجابي والرشيد.