الفكرة مرت فوق جبال صنعاء السعيدة ، وسواحل عدن ، فطربت لمقامات أغانيها، وامتلأت عيناها بجمال جنانها ووديانها النضيرات ، فجاءت تختصر المدى وهى ترافق التاريخ بشعورٍ مزهوٍّ لتحط رحالها على ضفاف النيل الخالد، ثم تركض فى شرايين نفرٍ من أبناء السودان احتضنتهم تلك البقاع الحكيمة حيناً من الدهر، فاخذوا منها وأعطوها، وبادلوها حباً بحب، فقامت الوشائج والعلاقات الشعبية بين أبناء السودان واليمن السعيد وأسسوا صروحاً مدنيةً عبرت عن تلك المتانة والوشائج والعمق في العلاقات الإنسانية والاجتماعية ، وفى هذا المقام تأتى جمعية الأخوَّة السودانية اليمنية بالخرطوم، وما أدراكم ما هذه الجمعية ومؤسسيها. يأتى هذا المقال ونحن بين يدي ندوة (العلاقات السودانية اليمنية.. التحديات وآفاق المستقبل) ، هو عنوان ندوة كبرى عقدت مساء أمس بدار جمعية الأخوَّة السودانية اليمنية بالحديقة الدولية، وشارك فيها عدد من الخبراء والمختصين في المجالات الثقافية والاجتماعية والاستثمارية، وبالمناسبة (السومانيين) والمهتمين، ولفظ (السومانيين) هذا له قصة تستدعى سيرة ذلك الرجل والمثقف الفطحل الدكتور نزار غانم والذي كان يشغل منصب الملحق الثقافي بسفارة الجمهورية العربية اليمينة الشقيقة بالخرطوم، وهو الذي ابتدع عبارة (السومانية) مازجاً بين(السودان واليمن) ليعبر باللفظ عن وحدة الإنسان والثقافة والتقاليد بين الشعبين الشقيقين، فأصبحت عبارة (السومانية أو السومانيين) مذهباً ثقافياً وانسانياً يعبر عن تلك المضامين ، فنزار غانم كان سودانياً وما يزال سودانياً من الطراز الأول من حيث تشبعه بالثقافة السودانية واندماجه في الفعاليات والمناسبات الثقافية السودانية وإدراكه الواسع بكل ما يعبر عن الهوية الثقافية السودانية وأرسى لها قواعد متينة عبر كتابه ومؤلفه الشهير (جسر الوجدان بين اليمن والسودان ) ، ونزار غانم وصل بتشبعه بالثقافة السودانية إلى درجة أداء أغنيات عباقرة المطربين السودانيين مثل احمد المصطفى، والعاقب محمد الحسن بعزفه المتفرد على السلم الخماسي السوداني. هذه إحاطة لا تذكر ، ونقطة صغيرة جداً من محيط ثقافي مترامي دون حدود لرجل اسمه نزار غانم ، قدمت بها لهذا المقال للولوج إلى أضابير العلاقات الوطيدة بين هذين الشعبين التاريخيين والذي احسب أن جمعية الأخوَّة السودانية اليمنية تعبر عن متانتها وعراقتها، وتثبت جذورها بعمق بإزماعها إقامة هذه الندوة المهمة والتي تلقيت بفخر وإعزاز دعوةً لحضورها ممهورةً بخاتم وتوقيع شيخنا وأستاذنا المهندس تاج الدين المهدي محمد المكي، الأمين العام للجمعية، ولهذا الرجل سيرة أخرى، لكن الموضوع الأهم هو الدور الذي تلعبه مثل هذه الجمعيات في تعزيز أواصر الترابط والأخوَّة بين الشعوب الشقيقة والصديقة، وجمعية الأخوَّة السودانية اليمنية أنموذجا لتلك الجمعيات لما تمتاز به من قدم الفكرة التي عبر بها مؤسسوها جبال وشعاب الجزيرة العربية حتى وصلت بها ملتقى النيلين، فالجمعية فكرتها وليدة تسعينيات القرن الماضي جاء بها نفرٌ سودانيون كانوا يعملون باليمن في وظائف ومواقع مختلفة كان على رأسهم المهندس تاج المهدي وهو الأمين العام للجمعية، وكان اغلبهم من العاملين في حقل التدريس فكانوا في ذلك أصحاب القدح المعلى حتى أسهموا في تخريج أجيال من أبناء وبنات اليمن ، فأصبح أهل اليمن ينادون كل سوداني بينهم ب(يا أستاذ) وان لم يكن معلماً في إشارة إلى عمق الحب والتقدير بين أبناء البلدين. وبالعودة الى الجمعية نقول: إن الجمعية هي إحدى الجمعيات التي تنضوي تحت مظلة مجلس الصداقة الشعبية العالمية والتي تأسست عن طريقه في تسعينيات القرن الماضى، والتى تهدف بتأسيسها الى تعميق العلاقات الشعبية بين الشعبين السودانى واليمنى وهى بهذا الهدف تعتبر واحدة من اذرع وآليات الدبلوماسية الشعبية، اضافة الى اعلاء قيم التعايش الانسانى والثقافى بين البلدين، ويدعم ذلك نشاط فى عدة محاور منها الثقافى والاجتماعى، الى جانب علاقاتها الخارجية وفى كل ذلك حققت انجازات متعددة، هذا الى جانب الدور الكبير فى تعميق العلاقات حتى على المستوى الرسمى. حقيقة اكثر ما استوقفنى من بين صفات الذين سيحضرون الندوة، هم الخبراء الاستثماريون الشىء الذى سيعزز من دور هذه الجمعيات فى التمهيد وفتح المنافذ للمشروعات الاستثمارية والمستثمرين لدى جهات الاختصاص ولعله يمثل دوراً مهماً غير بعيد ظلت تأخذ به العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدنى الاخرى، وفى هذا الاطار يمكن ان تفيد الجمعية الوطن بالعلاقات المتعددة التى اسستها باليمن.