راي: المقبول المنا خوجلي ابو الجاز لماذا كانت الهجرة لبلاد الحبشة، الإسلام والحبشة عبر التاريخ، أسد الغابة في معرفة الصحابة، جمهرة أنساب العرب، منهل العطشان في بلاد الحبشان. بركة الحبشية (أم أيمن)! بركة بنت أرفده صبية قادتها ظروف العمل للقدوم مع جيش أبرهة بن الصباح، عندما قدم من بلاد اليمن نحو بكَّة حيث كان دورها تضميد جراح الجنود، وكانت تعتنق النصرانية.. حينها دارت مناقشات مطولة ما بين عبد المطلب وأبرهة باءت بالفشل، والسبب في ذلك إصرار القادة لجيش أبرهة بالهجوم وهدم الكعبة، مما جعل عبد المطلب أن يأمر أهل بكَّة ترك ديارهم والصعود إلى أعالي الجبال، في هذه اللحظة انتاب بركة الخوف، وتنكرت خفية وصعدت الجبال مع أهل بكَّة، ولما وضعت المعركة أوزارها وانجلت الرؤيا، هبط أهالي بكَّة من أعالي الجبال، ومن بينهم بركة وهي تبكي وتصيح، ولا تدري الأعراب ما تقول.. في هذه اللحظة كان عبد المطلب يتفقد أهل بكَّة وعشيرته، فإذا به جمهرة من القوم ومن بينهم آمنة بنت وهب وبجوارها بركة، حيث أخبروه عن الصبية.. حينها ابتسم وبادلها التحية وهي لا تدري ما نطق به، ولكن الابتسامة وأسارير وجهه أذابت الخوف الذي كان ينتابها، حيث اصطحبها مع آمنة إلى الديار.. مكثت بركة مع آمنة تخدمها، وكانت حبلى وعند ولادتها أغسلت بركة الطفل ولفته بلفافة وحملته وهرولت به نحو جده عبدالمطلب، وهي تصيح أبتاه أبتاه فإذا عبد المطلب ينتفض من مجلسه منادياً ما بك يا بركة، ولم يكن يناديها طيلة حياته يا جارية- كما كانت العادة عند العرب- حينها أفصحت بركة باكية من الفرح أبتاه لقد ولدت آمنة طفلاً لا ككل الولدان، وجهه كالقمر المنير، فسمه محمداً ولم تكن الأعراب تسمي محمداً، وكانت نصرانية.. عكفت بركة على تربية الطفل حتى بلغ سن السادسة من عمره حيث اصطحبتها آمنة بنت وهب عند زيارتها لقبر زوجها عبد الله بيثرب ومكثت شهراً مع أخوالها بني النجار، وعند العودة لبكَّة وبمنطقة الأبواء أصابت آمنة الحمى وتوفيت ودفنت بهذه المنطقة.. انتاب بركة الحزن وحملت الطفل وهو يرتمي على أحضانها باكياً على فراق أمه، وعادت به إلى بكَّة، حيث نذرت نفسها لتربيته تطعمه وتسقيه وتلبسه تسهر لسهره وتفرح لفرحه وتحزن لحزنه، حتى أضحى صبياً يافعاً وكان يناديها أمي.. هذه هي بركة التي أدت الرسالة وتحملت الأمانة، مما ترك ذلك أثراً عميقاً في نفسيات رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أمر صحابته بالهجرة لبلاد الحبشة، ظناً منه أن أهلها صفاتهم كصفات أمه بركة، أضف إلى ذلك كان بها ملك عادل. ولما هاجر الرسول الكريم صلى تلله عليه وسلم متوجهاً نحو يثرب ترك كل الأمانات التي كانت بحوزته لدى بركة، وأمرها بعد وصوله يثرب أن ترد هذه الأمانات إلى أهلها.. هذه هي بركة التي كانت تطعم وتسقي وتغسل وترعى أشرف خلق الله.. فهنيئاً للأطفال الذين تقوم برعايتهم حفيدات بركة الحبشية. أصحمة بن أبحر أريحا (نجاشي الحبشة) كلمة نجاشي عند أهل الحبشة تعني ملك، وفرعون عند قدماء المصريين، وقيصر عند الروم، وكسرى عند الفرس، ويهمنا هنا نجاشي الحبشة الذي آوى صحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عند الهجرة الأولى والثانية، حيث اقتسم داره مع السيدة رقية بنت محمد وزوجها عثمان بن عفان، وأيضاً جعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بنت عميس، وهو أول من آمن بمحمد ولم يره، وعندما عادت السيدة (أم حبيبة) إلى مكة بعد أن تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم من بلاد الحبشة، أرسل معها النجاشي برسالة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيها: «والله لو لا الذي أنا فيه من ملك ورعية لأتيت إليك ولكنت الذي أغسل يديك وأحمل نعليك»، ولما عاد المهاجرون الصحابة من بلاد الحبشة أرسل النجاشي بعض القساوسة والرهبان من أهل الحبشة وعندما قدموا الرسول صلى الله عليه وسلم تلى عليهم سورة (يس) حينها بكى الأحباش وفيهم أنزل الله تعالى في سورة (المائدة): «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ» صدق الله العظيم.