إذا كنت في المغرب تجنب عبارة ( الله يعطيك العافية ) ، ببساطة العافية لدى أخوتنا المغاربة تعني النار عديل كده ، حكايتي مع العافية المغربية حدثت قبل عدة سنوات حينما كنت مع صديقي المغربي إدريس أغريني نتجول في سوق للفضيات في الدارالبيضاء ودلفنا محلا لبيع الفضيات وبعد ان لفت البائعة الحسناء تحفة مصنوعة في عمق الجنوب المغربي شكرتها بقولي ( الله يعطيك العافية ) ، لحظتها تغيرت ملامحها وبرطمت بكلمات غير مفهومة وقبل ان يتطور الموقف تدخل صديقنا وحسم الموقف وأوضح للبائعة إنني لا اقصد العافية باللهجة المغربية ، ومنذ ذلك اليوم مسحت كلمة عافية من قاموس خطابي اليومي حتى غادرت المغرب ، حكاية العافية في المغرب تؤكد ان العرب لا يختلفون في مجريات السياسة فحسب بل في اللغة والكلمات ، اغرب الحكايات عن تلك الاختلافات قصة طريفة رواها لمحسوبكم العبد لله زميلنا مدير التحرير في صحيفة عكاظ السعودية بدر الغانمي ، صاحبنا الغانمي قال انه أثناء تجواله في احد الاسواق في موريتانيا دخل محلا لبيع أجهزة الهاتف الجوال ، فوجد صبيا على الكاونتر وبدأ في تفحص الأجهزة فأكتشف ان نظام تشغيلها معقد للغاية فقال ممازحا البائع ( الله يجوزك مالها جوالاتك مخربطه) ، وما كاد ينطق بتلك العبارة حتى أصبح وجه الصبي اصفر اخضر احمر زي شفق المغارب وتطاير الشرر من عينية، إما والد الصبي فقد جاء مندفعا من اقصى الدكان وهو يزمجر مثل أسد الخلاء ، لكن مرافق الغانمي قام بتهدئة الموقف ، وأكد للصبي ولوالده ان مثل هذه العبارة سائدة في بلدان الخليج العربي وبعد تلك الحادثة اكتشف الغانمي ان عبارة الله يزوجك الشائعة في بعض البلدان الخليجية تتضمن إيحاءات غير محتشمة في موريتانيا ، ولكن في الخليج يقولها الناس لبعضهم كصورة من صور الممازحة ، ومن الأشياء الغريبة في المغرب ان كلمة شيخه غير مستحبه وإذا خاطب احد الملقوفين من أمثالي إحداهن بهذا اللقب فقد يتلقى بونية معتبرة تكسر أسنانه الأمامية وربما يتم نقله إلى اقرب طوارئ مستشفى لإسعافه ، ولعراب الصحافة العربية أنيس منصور كتابا بعنوان ( دعوة للابتسام ) ، في هذا الإصدار أورد أنيس الكثير من الكلمات المتداولة في الخطاب اليومي لدى أهل المشرق ولكنها في المغرب تعتبر من الكلمات الناشرة ومن هذه الكلمات طابونة ايوه طابونة حقت الخبز المعروفة لدى المصريين والسودانيين ، ولكن طابونة في المغرب تحمل معنى غير مستحب وإذا سأل احدهم امرأة تسير في السوق عن موقع الطابونة ف( واطاته أصبحت ) فربما يروح الرجل في ستين داهية ، وفي الشام فإن كلمة عكروت غير مستحبة ولكنها لدينا في السودان ولدى الأشقاء في مصر تعد كلمة عادية وتعني الزول ابن الجنية الذي يلعب بالبيضة والحجر ، عموما دعونا من اختلافات العرب من الماء إلى الماء ، نحن في السودان نعيش هذه الايام على صفيح ساخن من الخلافات مع العد التنازلي للاستفتاء على مصير الجنوب ، وليالي العيد كما يقول أهل الحجاز ( تبان من عصاريها ) ، وهكذا قضية انفصال الجنوب أصبحت مسألة وقت ، وربنا يعطي السودان العافية ولكن ليست على الطريقة المغربية ، فالعافية على الطريقة المغربية ربما تشعل الوطن من أوله إلى آخره ... عافيتك يا رب .