حينما اقتاد ضباط الشرطة فاقان أموم لقسم أمدرمان كانت جوبا عاصمة جنوب السودان (تحتقن) والشرطة العسكرية واستخبارات الحركة الشعبية تطوق «مقارات» الحركة الشعبية وحكومة الجنوب من متظاهرين خرجوا من غير دعوة الأمين العام فاقان أموم للتعبير عن رفضهم واقع الجنوب الحالي ورواتب الموظفين والجيش الشعبي تذهب لجهات أخرى في الشمال.. مواطنو جوبا يتظاهرون في وجه حكومة الجنوب التي فشلت في الوفاء بالفصل الأول مرتبات لعدة شهور، ونصف مال البترول يذهب لتمويل قطاع الشمال في الحركة الشعبية، مئات السيارات الجديدة يتم توزيعها في الخرطوم (لأولاد الجلابة) الاذكياء الذين تغلغلوا في مفاصل الحركة الشعبية وفي أجندتهم إسقاط الحكومة في الخرطوم لأنهم أصحاب ثأر قديم، والجنوبيون أصحاب المال الحقيقي يطحنهم البؤس والفقر وتتقاصر همة حكومة الجنوب في الوفاء براتب يذهب نصفه للرغيف والنصف الآخر (لقفة الملاح).. الحركة الشعبية لم تفكر أو تخطط لاحتجاج شعبي في جوبا أو ملكال ينادي بإجازة القوانين أمام نواب البرلمان القومي لم تحشد الحركة الشعبية قدرتها في المدن الجنوبية وتملأ الشوارع بالحشود الجماهيرية من أجل إجازة القوانين وذلك لسببين الأول اختيار مسرح الأحداث أو ميدان المعركة والسبب الآخر: أن الحركة الشعبية خرجت في الخرطوم احتجاجاً على المؤتمر الوطني فخرجت جماهير جوبا احتجاجاً على سلطة الحركة وممارستها. لكن قيادات الحركة الشعبية وأحزاب الشيوعي والشعبي والأمة (خططوا) لحدث أقرب للانتفاضة الشاملة تظاهرات في الأبيض والحصاحيصا ومدني وكسلا و«الميدان» في عددها الصادر أمس كشفت أبعاد الخطة التي كان قطاع عريض من (السياسيين) في المؤتمر الوطني غافلاً عنها ومن إيجابيات وحسنات رفع الرقابة عن الصحف أن كل شىء في المخابئ والغرف يصبح في العراء.. في خضم الأزمة وفي عين العاصفة تمايز في صفوف الحركة الشعبية التبر والتراب خرج الفريق سلفاكير ميارديت النائب الأول للرئيس ورئيس الحركة الشعبية من ضيق مواعين الأحزاب لرحابة الوطن الكبير لم يعتقله دخان البارود ولا اقتياد الأمين العام للحركة الشعبية لمخافر الشرطة والتحقيق معه لم يمتطِ الحصان المسرج لدفع الشريكين لمربع الخصومة وإجهاض السلام بل تسامى القائد سلفاكير فوق الجراحات ومد حبال الوصل مع المؤتمر الوطني وقرر العودة للخرطوم اليوم للدخول في حوار رئاسي بعد بلوغ الأزمة مرحلة ليس بمقدور رجالات إطفاء حرائق الشريكين «عقار وهارون» السيطرة عليها إلا بدخول الرئيس البشير ونائبه الأول وفي لحظات الشدة وضيق الأزمات وانسداد دروب الحل لا غنى عن الكبار لإصلاح ما أفسدته مشاجرات الأبناء. لا صوت يعلو في الحركة الشعبية على صوت الفريق سلفاكير ميارديت، ولا صوت يعلو في المؤتمر الوطني فوق صوت البشير، ولا فتح لأبواب الحوار وترميم التصدعات التي اعترت جسد الشراكة بغير حكمة الرئيس البشير وصبر سلفاكير ونفاذ بصيرة علي عثمان وحسابات د. رياك مشار لإيقاف التدهور الخطير في علاقة (الحكومة والحكومة) وقد أثبت الفريق مالك عقار أن الحكمة والصبر في ساعة الشدة مطلوبان لرجل الدولة الذي يتحمل مسؤولياته الوطنية.. خسرت الحركة الشعبية وهي تنقل المعركة للشمال وتجعل الجنوب بمنأى عن التظاهرات وخسر المؤتمر الوطني بتصدع علاقته بالشريك ولكن عند المحن تتبدى معادن الرجال..