أشفق عموماً على كل من يتم تكليفه بعمل عام، بدءاً من رأس الدولة إلى أصغر موظف أو عامل تم تعيينه في سلكها الوظيفي في أدنى درجاته، لكن إشفاقي يكون بالأخص على من يتم تعيينه أو تكليفه ليشغل منصب والٍ في أي من ولايات السودان، المستقرة أو ذات الحراك السلبي أو الإيجابي، خاصة إذا كان ذلك الشخص المعيّن، من الأصدقاء الخلص أو المقربين، لأن مسؤوليات الموقع كبيرة وخطيرة، أهمها أمن الناس، ثم توفير سبل كسب عيشهم، والتنسيق بين الأجهزة الحكومية المختلفة لتحقيق كل ذلك مع توفير الخدمات العامة. لم أتمن في حياتي يوماً أن أكون والياً أو حاكماً، ولم أعمل طوال حياتي العملية في وظيفة حكومية، ولا أريد، وأحسب أن هذا من فضل الله عليّ، إذ يكفيني الإحساس بالمسؤولية تجاه أبنائي وأفراد أسرتيَّ الصغيرة والكبيرة، ومسؤولية العمل والذين أعمل معهم ويعملون معي، وأرى أنها مسؤولية كبيرة وعظيمة. ولكن.. قطعاً ليس كل الناس يسعون للابتعاد عن الطريق الصعب، طريق التكليف للوظيفة العامة، بل إن البعض قد يضطر في سبيل تحقيق رغبته في الحصول على منصب حاكم أو والٍ أو وزير، قد يضطر إلى إهدار وقت طويل، يحسب على عمره أو يضطر إلى إهدار جزء من كرامته ليحقق مراده دون أن يصل إلى مبتغاه فيظل طوال حياته يحلم بالمنصب الرفيع، وساعياً خلفه، لا يترك باب صراع إلا دخل منه، ولا يجد ساحة عراك إلا انتقص فيها من قدر من يرى أنهم خصومه. للدولة معاييرها الدقيقة في اختيار حكامها وولاتها ووزرائها، وهي معايير تكون نسبة الخطأ فيها قليلة إذا ما استندت على الكفاءة والقدرة والجدارة والاستحقاق، لكن الأخطاء تكون فادحة إذا كانت المعايير هي معايير التمكين والتسييس التي قادتنا إلى ما قادت إليه، ويحمد للسيد رئيس الجمهورية أن أعلن عن نهاية عهد التمكين وتسييس الخدمة المدنية. الآن سيتم اختيار ولاة الولايات الجدد، بعض القدامى يسعون ب(أيديهم وأرجلهم) لإعادة تعيينهم في ذات المواقع، لأن البعض منهم أصبح بلا مهنة ولا وظيفة، ولن يصبح أكثر من (فاقد سياسي) متفرغ لنقد خلفه.. ونقد النظام. عن أبي سعيد عبد الرحمن بن سمرة، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك) متفق عليه صحيح. ونختتم بقول الله تعالى في سورة القصص: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين) صدق الله العظيم.