سعدت قبل أيام قليلة بحضور سمنار عن الطيور المهاجرة نظمه المجلس الأعلى للبيئة بولاية الخرطوم، هذا المجلس أراه كالكنز المتجذر في جوف الصخر لم يكتشف!! بعد اذ يذخر بخيرة العلماء الشباب المتدفقين وعياً ومواكبة وحماس، وبه من الوسائل والأجهزة ما يحقق السلامة البيئية لمجتمعنا ومواطنينا.. وأرجو عبر هذا المنبر من كافة المسؤولين ان يولوه كامل دعمهم ورعايتهم حتى يحقق أهدافه ويضطلع بدوره الرِّيادي الهام.. السمنار خاطبه المنسق الاقليمي لمشروع الطيور الحوامة د. أسامة النوري- كاريوكي ناقادا مدير الأنواع في المشروع، وكان في معيته الأخوة في الجمعية السودانية للحياة البرية، بقيادة البروف إبراهيم محمد هاشم رئيس الجمعية، والأستاذة الفردوس البشاري، وكانت المحاضرة غاية في الروعة وأفدت منها جدًا حول هجرة الطيور وأنواعها وأسمائها وخواصها وأماكن تجمعها التي تعرف (بعنق الزجاجة) ومن أهمها بلادنا- ودلف المحاضر الى أنواع المخاطر في رحلتها الطويلة من اصطدام بأبراج وأسلاك الكهرباء الى المخاطر في مكبات النفايات التي قد قتلتهم فيها مواد خطرة تتسبب في مرضها أو وفاتها وما الى ذلك وطالب ببذل المزيد من الجهد الرسمي والشعبي من اجل تأمين هجرة هذه الطيور والجوارح التي من بينها أصنافاً نادرة مهددة بالانقراض، كنت أحاول جهدي اثناء المحاضرة أن أركز على الحديث العلمي فائق القيمة والثراء ولكن خيالي كان جامحاً في سرحان، طوفت خلاله على اهتمامنا الفطري كسودانيين بهذه الطيور التي نوليها اهتماماً واضحاً حتى اتخذتها دولتنا شعارًا متمثلاً في صقر الجديان رمز القوة والجسارة، وارتبطت الطيور في خيالنا الشعبي بالعديد من الحكايات والأساطير كواحدة من أهم الظواهر التي تؤكد ارتباطنا وامتزاجنا بالطبيعة المجردة وندمت لأنني لم اطلب من الأخ الدكتور خالد شمبول المشرف على هذا السمنار ان يشنف آذان الضيوف ببعض ابداعنا السوداني عن الطيور واحتفائنا بها، كما تزايد ندمي انني لم اطرق هذا الجانب في حديثي فأذكر بدءًا رائعة الأستاذ صلاح أحمد إبراهيم الطير المهاجر التي تجلى فيها عملاق افريقيا الأستاذ وردي: بالله يا الطير المهاجر للوطن زمن الخريف تطير بسراع تطير ما تضيع زمن اوعك تقيف وتواصل الليل بالصباح عز المطر وسط الرياح وكان تعب منك جناح في السرعة زيد في بلادنا ترتاح ضل الدليب أريح سكن وايضاً رائعته التي لا أدري من نسج حروفها: هجرة عصافير الخريف في موسم الشوق الحلو هيج رحيلها مع الغروب احساس غلبني اتحملو ومن روائع فننا ايضاً طير الرهو التي تغنى بها حمد الريح وصاغ مفرداتها شاعرنا الفذ إسماعيل حسن والتي يقال إنها رمزية صاغها شاعرها في صديقه واستاذه المناضل الشهيد الشريف حسين الهندي عندما التقاه في أثينا مطلع السبعينيات، وهو في باكورة معارضته لمايو عبر الجبهة الوطنية، فالتمس منه العودة للبلاد قائلاً: والله والله يا طير الرهو قسماً عديل ما فيهو لو ما كت مصدق إني بلقاك يا رهو اشكو ليك من جور زماني كيف رماني شوف براك شوف الزمن كيفن بسو حتى باقي الزاد كمل والليل طويل طولاً غريب ما فيهو ضو التراب ملينا عيشتو.. أريتني كل يوم يحملني جو كما تذكرت: بلادك حلوة أرجع ليها دار الغربة ما بترحم تطوف بجناحك الوادي.. تلقى الخضرة تنسى الهم ويذكره بصغاره في إشارة لأفراد الشعب السوداني: صغارك مشتهين ترجع تضم العش بحنية تسيبهم مش حرام للريح.. وعارف القاسو ما شوية وبالطبع لم أنس المفردات الرائعة يا طير يا ماشي لى أهلنا بسراع وصل رسائلنا.. والشوق ما تنسى يا طائر كل البسألك عنا مفردات حُبّلى بالحنين واللهفة وخصب الخيال، وبالطبع يتساءل القاريء عن أستاذنا الكاشف المغرد أنا يا طير بشوفك محل ما تطير بشوفك يا ريت كنت زيك لو يجدي التمني حبيبي يكون معاي وفي الأشجار نقيل وبالأغصان نميل ومن تراثنا العربي الحديث يحذر الشاعر إيليا أبو ماضي من التشاؤم واليأس مستدلاً بالطيور التي وعت سر الحياة قائلاً: ادركت كنهها طيور الروابي فمن العار ان تظل جهولا تتغنى والصقر قد ملك الجو عليها والصائدون السبيلا تتغنى وعمرها بعض عام أفتبكي وقد تعيش طويلا السودانيون عموماً وخصوصاً في الأرياف التي تعي الطبيعيات وتتذوقها وتتعامل معها بشكل يومي، مجبولون على معرفة هذه الطيور وأنواعها وكيفية التعامل معها، ويدركون خواصها ومزاياها ومهامها. حدثني اخ عزيز من جنوب كردفان أن المواطنين هناك يتعاملون مع طائر يسمونه(كريمة).. وذلك لأنها تتكرم على من يطلب خدمتها يقول إن أحدهم يحمل عصاه نحو الغابة، وينقر على ساق كل شجرة بعصاه نقرات معلومة، ومن الشجرة التي بها كريمة تحدث صوتاً مميزًا دليلاً أنها هنا، وتبدأ في الطيران في أحد الاتجاهات ويتبعها الشخص بواسطة صوتها فهي تطير أمامه كدليل من مكان الى آخر، وعند شجرة محددة تصدر كريمة صوتاً مختلفاً اي تغير النغمة وهذا معناه أن هنا شيء مفيد قد يكون غزالة أو صيدًا آخر أو خلية نحل، أو ثمار مفيدة، فيقوم الشخص بالتحسب لذلك والاستفادة من كنز كريمة. هذه بعض خواطر وردت وأنهالت عليَّ من وحي هذا السمنار الذي أعتقد أنه خلص الى نتائج جيدة ستسهم في تعزيز حالة هذه الكائنات الطيور التي حباها الله بخواص نهل منها الانسان واستفاد..! وأهمها الطيران شاكرًا لمنظمي هذا المحفل مع خالص الأماني بالتوفيق.