يجهل كثير من الناس في السودان ان الرياضة ضرب من ضروب الثقافة وان التنافس في كرة القدم محصور في 90 دقيقة او تزيد قليلاً حسب الزمن المبدد، من الفريقين، وبعد ان يطلق الحكم صافرة نهاية المباراة، ينتهي الجمهور الذي كان متفاعلا ًومتحمساً في الملعب الى سلام وآمن، حيث يحتفل الفائز في حدود الذوق والاداب احتراماً لمشاعر الخاسر الذي كان يحلم هو الآخر بانتصار فريقه قبل ان تبدأ المباراة. وكان لوقت قريب الجمهور السوداني صاحب اخلاق رياضية كانت مضرب مثل خاصة في الدول العربية التي تحولت فيها كرة القدم الى حرب، وضرب وقتل وسفك للدماء في الملاعب الخضراء ودونكم حادثة بورسعيد التي جعلت الدوري المصري يقام بدون جمهور فاقداً لنكهته وميزته وافضليته، وكذا الدوري التونسي الذي بدأت الحياة تعود اليه من جديد بعد ان عرف الجمهور ان حكم المباراة هو الوحيد المنوط به اقامة العدل بين الفرق في الملعب. كان ختام الموسم الماضي مؤسفاً للجميع بعد الاحداث التي شهدتها مباراتا النيل الحصاحيصا وحي العرب بورتسودان في ملحق الهبوط او الصعود للممتاز، وقبلها الكثير والمثير من الاحداث المؤسفة التي شهدتها مباريات الممتاز.. لم يأت هذا من فراغ بل بسبب تعبئة الجماهير والدعوة الصريحة للعنف والخروج عن الخلق الرياضي القويم. لا تتحمل الصحافة الرياضية وزر ما يحدث وحدها رغم انها الوسيلة الأولى في التعبئة الجماهيرية.. سلباً او ايجاباً وفي نفس الوقت ينسي اداريو الاندية انهم السبب المباشر فيما يحدث، وهم يعلقون فشل فرقهم في الفوز على شماعة التحكيم لاعماء بصيرة المشجع البسيط عن اخفاق المجلس المعني في تهيئة وتجهيز الفريق حتى يكون جاهزاً لخوض غمار التنافس.. علينا ان نساعد بعضنا لاننا (كلنا في الهم شرق) كما قال الشاعر المصري احمد شوقي واهم من يظن ان الموسم الحالي سيكون خالياً من العنف، لان ما يحدث الآن يشير الى ان الأمر سيكون افظع وأمر اذا لم يتدخل مجلس الصحافة والمطبوعات ويتصدى الى شرارة الفتنة التي بدأت تشتعل قبل اشتعال شدة التنافس بين الفريقين، وما تكتبه بعض الصحف فيه خروج صريح عن النص وتخطي للخطوط الحمراء، وعلى مجلس الصحافة ان يقوم بدوره ويلقم هذه الصحف حجراً حتى لا يحدث ما يحمد عقباه. علينا ان نأخذ العبرة والدروس من الدوري الاسباني والدوري الانجليزي، الذي تكون فيهما المباريات اشبه بالمعارك الحربية، ولكن الجمهور هناك يتعامل مع المباريات بشكل مختلف.. فالانجليزي أو الإسباني يعد حضوره لأي مباراة، شكلا من أشكال الترفيه، ونجده يأخذ زوجته أو صديقته وأبناءه ويكون متأكداً أنه سيستمتع جداً بهذه النزهة.. باختصار يقدم الإسبان والانجليز أروع مثال على أن الرياضة تعد شكلا من أشكال الفن والثقافة التي تقوم على التهذيب والرقي.لن نطالب جمهورنا الكريم بان يكون مثل الانجليز والاسبان ولكن نقول له قليل من الاحترام لبعضنا. سينطلق دوري سوداني الممتاز، يوم الثلاثاء المقبل، واتمنى ان يكون هذا الموسم مختلفاً عن المواسم الاربعة الأخيرة على الاقل، وان تعود العافية لمدرجات الاستاد وان يحترم الجمهور بعضهم بعضا (هلالاب ومريخاب).. فالكرة في النهاية تنافس شريف بين الأندية وليس اساءات وتناحر وشتائم، تستعمل فيها كل اداوات الحرب البارد منها والساخن.. وليعلم المشجعون ان قوة الهلال في قوة المريخ.. يستمدان قوتهما ونهوضهما من بعضهما.. فساعدوهم بالتشجيع المثالي، وان تكون المنكافات في حدود الذوق لانها ملح التنافس.. وقبل ذلك على اللاعبين ان يلعبوا شوطاً ثالثاً بعد نهاية المباراة بتطيب خاطر الخاسر قبل تنهنئة الفائز، وعلينا ان نفعل ذلك جميعاً من اجل خاطر عيون اللعب النظيف.