منذ زمن بعيد كنت أصاب بالدهشة المركبة من سلوك غلاة مشجعي الهلال وغلاة مشجعي المريخ الذين تجدهم في أي مكان في السودان وخارجه، فهم يستميتون في الدفاع عن فريق الهلال أو المريخ حتى لو لم يلعب أي من الفريقين أي كرة حلوة ويتفانون في الدفاع عن اللون الأزرق أو اللون الأحمر بشراسة رغم أن الواقع يقول إنهم لا ناقة لهم ولا جمل في فوز هذا الفريق أو ذاك! ولعل انقسام معظم المشجعين السودانيين إلى هلالاب ومريخاب يبدو بجلاء للجميع ففي داخل المنزل الذي تسكنه أو الكلية التي تدرس فيها أو المكتب الذي تعمل به أو المكان العام الذي تتواجد فيه يُوجد دائمان معسكران كبيران للمشجعين هما مشجعو الهلال ومشجعو المريخ ، وما زلت أذكر كيف كانت المناكفات الكروية الساخنة تندلع بضراوة ، عقب فوز الهلال على المريخ أو المريخ على الهلال ، بين مشجعي الفريقين اللدودين والتي كان ينتهي بعضها بالمشاجرات الحقيقية العنيفة التي تستخدم فيها القبضات أو العصي حسب ظروف الحال بل أنني ما زلت أذكر كيف أن شلة من جماهير المريخ الغاضبة قد أحرقت خروف الضحية الخاص بكاتب عمود رياضي سوداني حينما عبر عن فرحه بفوز الهلال على المريخ! ومن العجيب في قصة التشجيع الهلالابي أو المريخابي أن الفريق القومي السوداني ، والذي يتم تشكيله غالباً من لاعبي الهلال ولاعبي المريخ ، يُوحد مشجعي الهلال والمريخ رغم أنفهم حيث لا يجد مشجعو الهلال ومشجعو المريخ بداً من تشجيع الفريق القومي السوداني الذي يرتدي لوناً ثالثاً لا علاقة له بالأزرق أو الأحمر ولا شك أن ذلك يُحد من جنون التشجيع الكروي ولو إلى حين! ورغم مرور سنوات طويلة إلا أنني ما زلت أذكر كيف أن الهلال قد فاز ذات مرة على المريخ وعندها تلبدت أجواء كلية القانون بجامعة الخرطوم بالمشاحنات الكروية الساخنة فأنتهزت فرصة اختلاط الحابل بالنابل وقمت بسلخ جلد مجموعة من المريخاب بألسنة هلالية حداد، وبعد مرور عدة أشهر انتصر المريخ على الهلال وعندها بدأت الشلة المريخابية إياها تبحث عني لتأخذ بثأرها الكروي مني ولكن الشلة المريخابية فؤجئت مفأجاة العمر حينما وجدتني منهمكاً في سلخ جلد مجموعة من الهلالاب بألسنة مريخية حداد وعندها صاح أحد أعضاء الشلة المريخابية الحائرة في وجهي: يا زول إنتا هلالابي والله مريخابي؟! ثارت في ذهني كل هذه الخواطر الكروية الطريفة وأنا أشاهد مظلات حفل الافتتاح وهي تتجول في قناة النيل الأزرق في مساء يوم الجمعة الموافق 4/12/2009 قبل إنطلاق مباراة النهائي بين فريقي الهلال والمريخ باستاد الخرطوم تحت رعاية شركة سوداني للاتصالات الراعي الرسمي للدوري السوداني الممتاز في نسخته الرابعة عشر ، ورغم أن المباراة قد انتهت 1/صفر لصالح المريخ ورغم أن ذلك قد بدا كتحصيل حاصل بالنسبة لمشجعي الهلال لأن الهلال قد فاز ببطولة الدوري الممتاز قبل ثلاثة أسابيع من نهايته فقد جن جنون هلالاب ومريخاب الدوحة واشتبكوا في مماحكاتهم الكروية المعهودة ، أما أنا وبعيداً عن ضجة المباراة فقد شعرت بغبن فاحش لأن شركة سوداني للاتصالات قد استولت على فكرتي القديمة وسوقتها بطريقة تجارية جديدة ناجحة للغاية حينما قامت بتشجيع الهلال والمريخ معاً فهي قد كسبت بذلك جيوب الهلالاب والمريخاب على السواء إذ أنه من المؤكد أن هذه الشركة السودانية الشاطرة سوف تكسب المليارات في هذه الليلة والليالي القادمة من جراء انشغال جميع خطوط اتصالاتها بالمنكافات الهلالابية المريخابية المعهودة والتي ستحوم في أجواء السودان وتقتحم المياة الإقليمية والمجالات الجوية لجميع دول العالم التي تتواجد فيها قبائل الهلالاب أو المريخاب المتناكفة والتي لن تكف جوالاتها المحلية والدولية عن الصياح حول نتيجة المباراة حتى لو طلع الصباح وكفت شهرزاد عن الكلام المباح وغير المباح! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر