من أعجب ما تداوله الناس خلال اليومين الماضيين، في مجالسهم الخاصة، ومنتدياتهم، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، والصحافة والرسوم الكاريكاتيرية ما نُسب لهيئة علماء السودان، من أنها جوّزت للزوجة طلب الطلاق، إن كان زوجها يدخن في المنزل. نحن نعرف أضرار الدخان، حتى الذين لم يجرِّبوا التدخين، رأوا آثاره في غيرهم من المدخِّنين، ويكفي أن إختصاصيي القلب السودانيين كشفوا من خلال جمعيتهم التي أستضافها منبر وكالة السودان الأنباء الدوري يوم الأربعاء الماضي عما يسببه التدخين من أمراض قاتلة، وإشارتهم إلى أن الذبحة الصدرية باتت اليوم من أكثر الأمراض التي تسبب الوفاة في بلادنا. وفي البرازيل أجرى باحثون دراسة خطيرة أثبتت أن المدخنين هم الأكثر كسلاً من غيرهم، وأنهم يفتقرون إلى الدافع أو الحافز لتحسين نمط حياتهم إلى جانب أنهم الأكثر عرضة للمعاناة من أعراض القلق والإكتئاب، وذكرت صحيفة «الديلي ميل» البريطانية، إن العلماء والباحثين في جامعة ولاية «لوندرينا» بالبرازيل أكدوا من خلال دراستهم تلك إن المدخنين أقل نشاطاً بدنياً من غيرهم، إضافة إلى ضعف وظائف الرئة لديهم، وعدم قدرتهم على ممارسة الرياضة، وأنهم يحصلون دائماً على ساعات نوم أقل، وإن نومهم أقل راحة من غير المدخنين، أي كما نقول بدارجيتنا إن نومهم (خزاز). وفي المانيا نُشرت دراسة أعدّها علماء وباحثون في كلية برلين شاريت الطبية، جاء من ضمن ما جاء فيها إن (17%) من المدخنين حصلوا على ست ساعات من النوم ليلاً، بينما قال (28%) من المدخنين أنهم لا يشعرون بالراحة أثناء النوم. أضرار التدخين مؤكدة ولا عجب في إلزام الشركات المنتجة للسجائر بكتابة تحذير رسمي بأن التدخين ضار بالصحة ويؤدي إلى الاصابة بالسرطان وضيق الشرايين وأمراض القلب، حمانا الله وإياكم.. ولذلك تلجأ البرلمانات المحترمة في كثير من دول العالم إلى سن القوانين والتشريعات التي تضيّق فرص إنتشار التدخين، وتلجأ الحكومات على فرض الضرائب والرسوم العالية على هذا (المُنْتج الخطير) للحدَّ من ظاهرة التدخين. وعندنا في السودان ظل قانون مكافحة التبغ يراوح مكانه بحيث لم تتم إجازته في مجلس تشريعي الخرطوم، ولم يتم رفضه ل(يُبخبخ) من يشاء وقتما يشاء بغير حساب. ثم جاءت تلك الافادات من هيئة علماء السودان التي لا نعرف كيف نصنفها، وهل هي تصريحات واجتهادات، أم هي فتوى!؟!؟ المشكلة إن هيئة علماء السودان رمت كرة النار داخل البيوت السودانية، وجوّزت للزوجة طلب الطلاق من الزوج المدخن، في وقت كنا نتوقع أن يكون للهيئة رأي واضح وصريح في مسألة التدخين، وفتوى رسمية تلزم الحكومة إما بمنعه منعاً تاماً، أو أن تعمل على الحدَّ من انتشاره.. لكن الهيئة فيما يبدو رأت الفيل الحكومي وقامت بالطعن في ظل الدخان. اللهم أحمنا و أحم أبناءنا وبلادنا من كل شر مستطير، ومن كل مصيبة نصنعها بجهلنا، وعافنا في أبداننا وأرواحنا واجعلنا من عبادك الصالحين، يا أرحم الراحمين، وأهد عقولنا وقلوبنا إلى ما ينفعنا ولا يضرنا، وجنبنا الزلل والخلل، والمَطل في طاعتك يا رب العالمين.. آمين وجمعة مباركة