خطاب المؤتمر الوطني ، الخطاب الرئاسي الذي خاطب به رئيس المؤتمر الوطني رئيس الجمهوريه المشير البشير الأمة السودانية ،مستعرضاً حالة الولايات السودانية المتحدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية وفي ثناياه بالطبع لم تغب الحالة الأمنية والعسكرية . التوقعات القبلية والتكهنات بحسب معطيات الساحة الداخلية و الإقليمية والدولية ،ثم القراءات البعدية والتحليلات لما بين سطور الوثيقة ثم اللغة الرفيعة على غير مألوف أسلوب الرئيس في مخاطبة الأمة ، رغم أنها مست جوهر مطلوبات الدولة في الوقت الراهن والمستقبل، إلا أنها أغفلت عن عمد ما تم ، وطمرت لغة الخطاب وتجاوزت ثم إختزلت في كلمات وعلى هوامش حالة الإتحاد ما قامت عليه الإنقاذ من مرتكزات ودعائم عتد وبعد إندلاعها ، ثم في مسيرة إنطلاقها ، ثم تقدم الخطاب بأطروحات قُصِدَ من أُطُرِها أن تتوافق مع مرتكزات الإنقاذ الأولى وتتسق مع التوافق الذي ستشهده الساحة السياسية وهو رهين بتفهم القوى السياسية العميق لمفردات الوثيقة التي تحتاج إلى أفق فكري ،سياسي يتفهمها على النحو الذي جاءت به المفردات وتركيبات الجُمَل وما خفي بين السطور . الإنقاذ عند إندلاعها حددت ركائز بعلامات ظاهرة بمشروطيات معلومة تقبلها الناس ،كل الناس وإنخرطوا في صفوفها ،فقد كانت المواطَنة الحقة ثم العوامل الأخرى هي المرتكزات التي قادت المجتمع السوداني إلى نقطة التلاقي والإلتحام ثم الإنطلاق للوثبات الأخرى، فكانت المؤتمرات الداعية للسلام بالحوار ثم بالقوة ثم كانت الوثبة الخجولة لمرتكز الديموقراطية التي قَبِلها البعض وأعرض عنها آخرون (مرحلة التوالي) وهي نقطة تحول الإنقاذ من مرحلة التمكين إلى التمتين بثالوث الشرعية الثورية ،التحول الديموقراطي ثم التوافق الإجتماعي وهنا لا بد من أثبات أن هذا المرتكز قد أصاب قاعدته البنائية ضعف بسبب عدم الإطمئنان النوعي إما داخل الحركة الإسلامية خاصة بعد ظهور الكيان الجامع أو داخل الأحزاب السياسية بسبب فقدان الثقة في المؤتمر الوطني الذي حسب نظرتهم يعتمد الميكيافيلية السياسية ،ثم جاءت أطروحات خطاب تشخيص الحالة الآن تدعو الناس كل الناس أن هلموا لبناء الوطن ،إنها دعوة توافق أظنها صادقة.تتطلب من الأحزاب أن تتخطى مربع الشك حتى تدخل التاريخ من اوسع أبواب العملية الديموقراطية عبر المعارضة إذا قُدِر ذلك أو إمتطاء صهوة جواد السلطة ،يجب أن لا يتناسى الناس كل الناس مالك الملك!من المرتكزات التي تناولها خطاب التشخيص الرئاسي ويحتاج إلى تقويم ، الشان الإقتصادي العام أو الخاص ،لقد هزمت الممارسات الخاطئة سياسات إقتصادية كان بإمكانها الخروج بالدولة من كبوتها لتنطلق ماردًا إقتصادياً في المنطقة الإقليمية و المحيط الدولي ولعل الخصخصة غير المدروسة هي سبب تدمير إقتصاد البلاد وهذ المرتكز ربما إذا إتسم التعامل فيه بالشفافية العالية والوطنية الخالصة لإنقلبت الموازين وخيرًا فعلت الوثيقة إذ أفردت للإقتصاد حيزًا يجد المختصون أنهم أمام تحد تكون بعده الدولة أو لا تكون لقد أفقدتنا المشروطيات الجائرة إقتصادًا عملاقاً .تناولت الوثيقة بإهتمام متفرد موضوع الهوية ونشير هنا أن الإنقاذ في بواكيرها الجادة إستطاعت أن تعطي الهوية السودانية لونها وطعمها ومذاقها الخاص بعد أن ذوبت ثم أعادت صياغة الجميع بطعم أنا سوداني ،هذا المرتكز إعتور قاعدته جرح يلزم الإنقاذ وكل الناس تقطيبه ثم تعهده بعناية وطنية فائقة وهنا محك الإختبارالحقيقي الذي وضع فيه المؤتمر الوطني الأحزاب وقواعدها،هي دعوة للبنيان المرصوص الذي لا يحتمل إفتقاد طوبة أو عدم صلاحية الملاط الذي يحقق تماسك البناء(الوطن) لقد وضع المؤتمر الوطني الحصان أمام العرية فمن يمهد لها الطريق؟ ومن يشارك في دفع العجلات لتتحرك العربه؟ ثم من يمسك بالرسن ونحن نعلم تماماً القاعدة الشهيرة أن قبطانين على السفينة الواحدة يعرضانها للغرق!! فكيف بالأحزاب التي إنثنت سيوفها وخبا بريق شيوخها وكيف بالحركة الإسلامية التي تفرقت تفرق قياداتها التاريخية أن يتفقوا على من يقود العربة دون أن تغريه لذة عربة القيادة ،لقد أحكمت الوثيقة الرتاج باسلوب جعل دهشة دونالد رامسفيلد بادية على وجوه الحضور، القادة منهم والقواعد والسواعد التي يجرى إعدادها لمهام المرحلة المقبلة،رغم تباين الآراء أو عدم فهم الوثيقة أو الخطرفات التي صاحبت بعض التحليلات تبقى الهوية هي مايجب أن لا تغفل عنه أحزاب التوافق وحتى أحزاب التدابر. إعتمدت الوثيقة (الوثبة) أسلوباً للتحقيق الناجزلمتطلبات المرحلة القادمة، سواء بالتوافق أو خلافه فمعانيها (الوثبة) اللفظية قوية وحركتها الفعلية متماسكة، وأثرها قوي بما يشبه الإنقضاض خاصة لمواطن ومواقع الخلل الإداري والتنفيذي في مستويات الحكم المختلفة والتي بدورها قادت إلى إختلال موازين الدولةالإجتماعية والسياسية والإقتصادية ،لكنا نقول إن للوثبة أياً كانت شرط وجوب وشرط صحة ولها محاذيرها الإفراط فيها بأي شكل يجهضها فوثبة الأسد والنمر تختلف عن وثبة الضفدعة رغم أنها في الحالتين تتم على أربع. إن الوثبة لكي تتم وفق المطلوب ينبغي مراجعة المرتكزات القائمة الآن والتي تناولتها الوثيقة داعية لإصلاحها ،فهناك التخلص من الأحمال الزائدة!وهناك إعدادات فنية وتكتيكية وزوايا دخول وخروج لعناصر ومكونات لا يصلح التجسير لها كما أن مترو الأنفاق السياسي تصميمه لا يحتمل وقوف راكبيه بنظام الشماعة .في رأي أن الوثبة بالطرح الذي ورد في ثنايا الوثيقة لن تحتملها بعض العقول وحتى المستنيرة هي في حيرة ودهشة كما قلت بدليل ردود أفعالهم المتباينة أو المتحفظة أو المتوجسة فهي لا زالت ترى في كل طرح يقدمه المؤتمر الوطني من زاوية نظرية المؤامرة.إن المساحات العقلية الضيقة لن تستطيع وهي بهذه الحالة (الشك) إدراك خطورة الأنشوطة التي تلتف حول عنق الوطن إلا بالقدر الذي يضمن لها الخلاص وهذا ليس قدحاً في وطنيتهم بقدر ما هي مواقف كانت لهم حُسِبَت عليهم. في سبعينات القرن الماضي إبتدعت مايو على يد كبير علماء وخبراء الإدارة وقتها المرحوم الدكتور جعفر محمد على بخيت أسلوب القفز بالزانة في تخطي أو إزاحة المعوقات البشرية أو المادية أو الإدارية التي كانت تعيق تنفيذ برامج الدولة وتقعدها عن الإنطلاق حسب التخطيط وقتها ،لقد كان للخبراء والمختصين رأياً واضحاً في ذلك الإجراء بسبب الإرباك الذي أحدثه في مفاصل الدولة المختلفة خاصة الحكومات المحلية رغم النجاحات التي حققها ،هذا الحشر لأسلوب القفز بالزانة قديمه وجديده الذي تم في عهد الإنقاذ إنما قصدت به إطلاق السؤال الناجز لماذا لا يقفز الجميع الآن ،الناس ،كل الناس (الوطن) فوق جراحات التوالي التي لم تندمل وإخفاقات الإقتصاد التي أقعدت طموحاتنا ومفارقاتنا الإجتماعية التي كادت بسببها أن تضيع هويتنا،إن القفزة الآن حساباتها ليست معقدة مثل حسابات الوثبة التي تعيدنا إلى نقطة الأصل التي تجاوزتها متطلبات وقتها التي فرضتها الظروف الداخلية والخارجية وهي(أي الوثبة)تحتاج لتجديد أو تحديت الفرضيات ثم الإحتمالات ثم النتائج في وقت لا تنتظرنا فيه عجلة الأحداث، وتتغير مخرجاتها بمتوالية لن نستطيع اللحاق بها ،أما القفزة فحسابات زوايا الإنطلاق لها مختزنة وقواعدها متينة (ركائز الدولة ومقوماتها المعروفة مصطلحاً وواقعاً) وزوايا الهبوط تتجدد أثناء القفزة وفق المتغيرات حالةً وموقعاً،إنها قفزة محسوبة المخاطرو«رسوها» آمن في منطقة النزول حيث تتلاقى أشواق كل الناس.إن الوثيقة أو خطاب المؤتمر الوطني فيه دعوة للقفز فوق الجراحات وفوق الذوات وفوق الطموحات وفوق الإحباطات .لسنا في حاجة لتفسير إبن كثير السياسي لخطاب المشير البشير كما جاء في أحد المواقع الإسفيرية فالوقت يداهمنا والعالم يرقبنا إستعدادًا للوثوب علينا فنحن هدف المرحلة القادمة فلنقفز سياسياً بوعي إلى حيث لا يتوقع الآخرون، فالقفزة السياسية الوطنية الجادة هي التي تنقل معها المجتمع والإقتصاد وكل كيانات الدولة وترتقي بها حتى تكون بمنأى عن أي وثبة ،إننا أحوج ما نكون إلى القفزة .