عندما يدخل علينا فإن قدومه يحدث جلبة وضجيجاً واضحين!! إنها ضجة العمد و المشائخ!! يتحركون بإيقاعات معلومة.. وفي صحبتهم دائماً مرافقون يعرفون تماماً مهامهم وإجراءات البروتوكول والمراسم!! وهذا ما يميز العمدة «الحاج علي صالح» عندما يدخل علينا في مكاتبنا ب(آخر لحظة)!! فعندما تراه «تحس» بأن «البلد» قد جاءت كلها في شارع البلدية!! العمدة يسلم عليك بحرارة و«يطايبك» ويجلس حيث يريد.. وبالطريقة التي «تريحه».. يبدأ في الدخول في الموضوع «مباشرة».. لا يطلب من مستلزمات الضيافة شيئاً!! ويكتفي بالماء البارد ويسألني عن «نازك وعطور» ثم يطلب مني أن أرفع التلفون ويقول (المرة دي داير سوق أسود)!! وأقول له: طلبك مجاب يا عمدة!!.. السوق الأسود عند العمدة يعني نشر مقالة إضافية من استراحاته خارج يومه الأسبوعي المعروف!! وعندما يطلب «السوق الأسود» فهذا يعني إن المسألة مستعجلة ولا بد من البت فيها على جناح السرعة!! وهذا ما نفعله معه!! هذه المرة جاءنا العمدة «بضجة» أكبر.. فعدد المرافقين زاد وأحدهم كان يحمل شنطة سوداء.. هتفنا وكبرنا فقد كانت تحمل الجزء الثاني من كتابه «مذكرات عمدة سابق»!! وسعدنا بهذا الإنجاز الذي أنجزه هذا الرجل «العصامي» في زمن وجيز وفي ظروف ليست ميسرة.. وقد كنا شهوداً على المرحلة الأولى والتي كان ل(آخر لحظة) شرف أن تعانق حروف الكتاب المضيئة في ردهاتها على يد زميلنا الأستاذ «حاتم ود الريس» والذي طبع بأنامله الذهبية مادة الكتاب في مراحل الجمع الأولى قبل أن يدفع به العمدة للمطبعة بجهد مقدر للأستاذ «كمال أحمد الزبير» مدير بنك المال المتحد.. وهي خطوة وصفها العمدة «بالنور والانتشار». يقول العمدة عن كتابه: إنه ليس «جاف» بل يحتوي على يوميات واستراحات نشرت في فترات مختلفة في عدد من الصحف السودانية.. وقال عنه المرحوم البروفيسور «عون الشريف قاسم» قبل أن يرى هذا الكتاب وهو يركز على الجانب الشعري إنها كلمات من عمدة لا يشيخ فهو متوقد المشاعر مرهف الأحاسيس لأنه شاعر والشاعر لا يشيخ!! أما أنا فأقول عن الكتاب: إنه سياحة فكرية ممتعة في ثنايا المجتمع السوداني نجحت في تسليط الضوء وبذكاء وعبقرية على جوانب عديدة يرى المؤلف أنها تستحق الوقوف وسلاحه في ذلك «أمانة» المؤرخ و«ضمير» الصحفي.. وهذا منتهى النجاح للعمدة الحاج علي «الصالح» الذي يستحق الآن بكل «جدارة» أن نطلق عليه لقب «عمدة الصحافة السودانية» لدوره المتميز في الكتابة وإثراء الصحافة في مختلف مراحل عمره بقلم نظيف وشريف رهنه لخدمة أهله ووطنه. ü ما أحلى الجمع بين «العموديتين» يا عمدة!!