مضت الأيام سراعاً وبلغ عمر قضية دارفور منذ اندلاعها في العام 2003 عقداً من الزمان، ولأن الذكرى تنفع أصحاب الذاكرة الضعيفة، فإن مركز الجزيرة للدراسات ومؤسسة أروقة للثقافة والعلوم أقدما على خطوة جديرة بالتوقف عندها - بالنسبة للسياسيين في المقام الأول - والمؤسستات الموقرتان تنتجان كتاباً حمل عنوان «دارفور.. حصاد الأزمة بعد عقد من الزمان» قدم شرحاً وافياً للمشكل الدارفوري الذي طال أمده رغم المنابر التي تناولت القضية وسعت لحلحلتها بشكل كبير.. المؤسستان دشنتا الكتاب بالدوحة وأعادتا الكرة بالخرطوم في احتفائية سياسية حظيت باهتمام لافت سيما وأن المتحدث الرئيسي فيها رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي. ** لكن المهم أن الانشغال بقضية دارفور بدأ في الخفوت والتراجع في الآونة الأخيرة بعد أن وضحت كثير من الحقائق التي تم تزويرها في وقت سابق، لكن مع ذلك لا يستطيع أحد أن يفتي متى نضع نقطة «تقف الحرب» بعد أن وضعت دارفور في دوائر البحث ومنظمات المجتمع المدني.. الكتاب قدم رؤية متكاملة حول الأزمة وتقصي جذورها وتحليلها، واشتمل على تحليلات حول جملة المتغيرات وقدم الكاتب الصحفي والأستاذ الجامعي د. محمد محجوب هارون وهو أحد الخبراء ال (12) الذين أعدوا الكتاب، قدم شرحاً لما حواه الكتاب وقال إن د. الطيّب زين العابدين كتب الورقة التأسيسية التي غطت جوانب النزاع الدارفوري، حيث حاول الطيّب إرساء قاعدة البحث عن النزاع، بينما مضى د.خالد التجاني في اتجاه استكشاف أزمة الدولة السودانية من خلال أزمة دارفور، ولأن خالد مهتم بالشأن الاقتصادي كتب تحليلاً حول ما أسماه حروب الاقتصاد واقتصاد الحرب، وأشار هارون إلى أن د. خالد لاحظ أفول حقبة الدعم الخارجي للمتحاربين، ونوه إلى أن الوجود الأجنبي خلق اقتصاداً جديداً. أما الخبير الثالث د. حمد عمر حاوي كان نصيبه في الكتاب ورقة حول الشباب في إطار النزاع استكشف من خلالها علاقة الشباب بذلك النزاع، بينما تناول د. منزول عبد الله منزول ملف النازحين وكيف أنه نشأت مجمتعات جديدة، ويواصل د. محمد محجوب هارون في التعريف بالكتاب ويقول إن الباحثة سامية أحمد نهار تناولت واقع المرأة في النزاع وكيف أنها أكثر الفئات تأثراً به. أما السياسي اللواء «م» د. محمد الأمين خليفة لا نشغاله بملف السلام كتب عن الحركات المسلحة وعن بعدها العسكري، بينما رصدت الأستاذة الجامعية د. بلقيس بدري في ورقتها بالكتاب توثيقاً شاملاً لعمليات صنع السلام، وتناول اليكس دو فال البعد الإقليمي للقضية وناقش جيرو وهو مهتم بالشأن الأفريقي، التدخل الدولي في دارفور، وكان نصيب الباحث فتح الرحمن القاضي التدخل الإنساني ومسألة الحماية، بينما أشار محمد محجوب هارون إلى أن مشاركته في الكتاب كان حول تجليات السياسة وتجليات الأزمة على السياسة، وقال إن الكتاب يمثل إضافة للمكتبة السودانية حول دارفور. أما رئيس حزب الأمة الصادق المهدي فقد قدم رؤيته حول الكتاب واستهل حديثه بأن المأساة في الدراسة أن صناع القرار سواء في الحكومة أو المعارضة لا ينتفعون بها، وقال إنه سيحاول أن يركب للكتاب أسناناً تحجب الغطاء السميك الذي يغطي أهل السياسة، وأشار إلى أن ما حدث في عهد الإنقاذ يستوجب الاعتراف بفداحته من أخطاء، وطلب العفو من الله وأهلنا عامة وأهل دارفور خاصة.. وأشار إلى أن دارفور تحترق لكنه عاد ونوه إلى إمكانية حل المعضلة، وزاد أن قضية دارفور خلقت واقعاً جديداً هناك، فسياسياً حدث تمزيق للجسد الاجتماعي وجدت إدارة أهلية لم تستطع ملء الفراغ، ونوه إلى أن بعض الأطروحات من قطاعات في دارفور نزلت برداً وسلاماً على الجنوبي د. جون قرنق وكان للأمر ما بعده، وزاد المهدي بأن الحرب في دارفور فرّخت أجيالاً غاضبة من الشباب، كما أن عنف الدولة وعنف الثقافة هناك أوجدت نحو أربعة ملايين قطعة سلاح، وصاحب ذلك حالة انفلات تجاوزت الاستقطاب الأثني إلى الصراع القبلي، وأشار المهدي إلى تأثيرات خارجية على قضية دارفور ممثلة في تدويل الشأن السوداني بصدور (47) قراراً دولياً ووجود قوة عسكرية خارجية لحفظ السلام، ونبه المهدي إلى بعد اجتماعي أفرزته الحرب وهو اتجاه كثير من أهل دارفور إلى عزل الآخر من الهوية مما أحدث ما أسماها بالمفاصلة العاطفية، وتحسر المهدي على فرص السلام في دارفور التي قال إنها اجهضت، وأماط اللثام عن لقاء جمعة بالمفاوض الحكومي الراحل د. مجذوب الخليفة الذي كان يتأهب للمغادرة لأبوجا، حيث أقر المهدي أنه تمنى له فشل مهمته كونه معارضة ولكنه تمنى له النجاح كوطني، وأشار الصادق إلى أنه قدم له حزمة مقترحات منها إشراك أهل دارفور في مؤسسة الرئاسة، وانتقد المهدي الدوحة وقال إنها تعاني من ذات علل أبوجا «صلاحيات دون سند»، وأكد أن الأسرة الدولية أدركت عيوب اتفاقيات السلام السابقة وأن مسألة حفظ السلام مكلفة ووهمية، ودعا المؤتمر الوطني إلى مؤتمر قومي يعالج كل المشاكل بما فيها قضية دارفور. وتحدث مدير مركز الجزيرة للدراسات د. صلاح الزين عن دور المركز وهو مركز عالمي، في الاهتمام بالشأن السوداني، حيث أصدر كتابين عن دارفور وأربعة كتب عن قضايا سودانية، وعقد مؤتمرين إقليميين قبل وبعد انفصال الجنوب في محاولة للإسهام بتنوير الرأي العام في المنطقة العربية بالشأن السوداني، وقال إن الكتاب ليس موجهاً لأهل السودان فقط. ثم خلع صلاح الزين عباءة المركز وتحدث عن القضية السودانية كمواطن سوداني ظل قريباً من الأحداث، وشدد على أن الأحداث التي تقع في السودان ليست منعزلة، مشيراً إلى أن هناك حالة من عدم الإتزان في الساحة السياسية السودانية، مؤكداً أن الأحزاب لم تعد مقنعة للشعوب. كثيرون تحدثوا في حفل التدشين للكتاب الزاخر بالمعلومة، ولكن تبقى العبرة في قراءة ما بين سطوره.