في شهر سبتمبر من العام المنصرم استطاعت المعارضة وبإيعاز من مدبري الفتن الخارجية أن تخرج بعض الشباب ليلتقوا مع الخلايا النائمة والمدربة على الفوضى والتخريب، فعاثوا في الأرض فساداً.. آشعلوا الحرائق في محطات الوقود، وفي مراكز بسط الأمن، وبعض المرافق الحكومية. مما لا شك فيه ولا جدال أن الصهيونية وآفاتها من الCIA والمنظمات الأممية والمسماة إنسانية، حاولت وبشتى الطرق أن تزيل هذا النظام، ولكن الله أراد له أن يصمد ويرد كيد أعدائهم في نحورهم. إرادة الله الغلابة حكمت ألا ينهزم هذا النظام من الخارج مهما كانت أنواع الأسلحة والمرتزقة والأموال، فهذه حقائق لابد أن يعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء. والمعارضة عافاها الله تتجاوب مع العمل الخارجي لإسقاط النظام من حيث تشعر ولا تشعر، يدفعها في ذلك أمران أولهما الطمع السياسي وثانيهما الحسد.. وهذا بالطبع لا يشمل كل المعارضة التي لا تتاجر بالوطن مهما بعدت الشقة بينها وبين النظام، ومنهم من أدرك اللعبة الخارجية وانخرط إيجابياً مشاركاً في دفع عجلة النمو السياسي والمحافظة على مقومات الوطن وتوجهاته دون أن تكون على حساب توجهاتهم كالمحامي تيسير مدثر ود. الدقير وغيرهم. كما أنه من الإنصاف أن أحداً لا يستطيع أن يجرح قطبي المعارضة وشيخيها السيدين محمد عثمان الميرغني والصادق المهدي باتهام إنهما قد يفرطان في وطنهما ويقبلان هوانه. من الواضح أن السيدين لهما خطوط مباشرة مع الرئيس، وأن الرئيس يكن لهما ما يستحقانه من تقدير وإكرام، ووجه في خطابه الوثبة ألا تؤذى الرموز الوطنية بالأقلام، فإن ذلك في نظره ضرب للشخصية السودانية الوطنية في مقتل، ثم أن لكل شيخ أتباع يؤذيهم إذا أوذوا ويجرحهم إذا انجرحوا. ويبدو أنه وبعد العمر الطويل في الحياة السياسية حلوها ومرها أنهم سائرون على هدي خطاب الرئيس لا سيما بعد شروع المؤتمر الوطني في إصحاح البيئة السياسية وتغيير الرموز، ليعلم الناس أن الأفراد لا يجب أن يكونوا محور حوار، وإنما محور الحوار هو أمن وسلامة البلاد وتنميتها وتطويرها والحفاظ على ثوابتها ومعتقداتها، وهنا لا أظن أن عاقلاً يرفض هذا الطرح. إذا كانت المعارضة في وقت سابق تحسب أنها تضررت من هذا النظام في جانب من الجوانب، فلتعرف أن مؤيديه القابضين على الجمر ليسوا كلهم سواء فمنهم من رمى الجمر جانباً وسار في رغد من العيش وامتلك القصور والدثور، ولكنهم حفنة إزاء الجبهة العريضة المؤيدة والمساندة. ومن أكثر الناس تضرراً منه هذا القلم البائس.. لا ليس القلم ببائس فقد أخذ من جهة مرطبة وإنما كاتبه هو الحفيان البائس. لكن ثمة أمر مريب ووضع عجيب لا بد من النظر إليه من قريب، وهو ما صدرت به هذا المقال أي في الوقت الذي خرجت فيه الخلايا النائمة استقال د. غازي صلاح الدين وبعض غيره من المؤتمر الوطني، لينشئوا حزباً معارضاً سموه «الإصلاح»، وفي غمار الخراب الذي أحدثته الخلايا النائمة قرأ إمام جامعنا وهو تابع لفئة سياسية تتدثر في ثياب «الرابطة الشرعية للعلماء»، وقد كتبنا عنه مقالاً ذكرت فيه أن النظام يأتمن بعض من يخونوا الأمانة، وذكرت بالتحديد مدير إدارة الدعوة بمحلية جبل الأولياء، واتضح فيما بعد أن عدداً من لجان المساجد تجأر بالشكوى منه لأنه يحمي فئة تزعم أنها الناجية على حساب جميع المسلمين. هذا الإمام قرأ بياناً سياسياً طويلاً في الخطبة يقدح فيه الحكومة ويؤجج نيران الفتنة، ويمنح المخربين الغطاء الشرعي- حسب فهمهم- وقد علقت عليه قائلاً له ولمن لف لفه إنه يمكنه إنشاء حزب سياسي، ولكن أن يستغل المنبر لصالح جماعته التي لا مؤيد لها في المسجد فإنه أمر دبر بليل.. وهذا الإمام يصر عليه موظف النظام.. الحكومة تخلخل نظامها من تحت مع سبق الإصرار والترصد. هذا النظام أفشل كل المحاولات الخارجية، وصار إذا أصابته سهام تكسرت النبال على النبال.. أما الذي ينهكه ويسقطه ويجيب خبره مثل هؤلاء الذين تثق فيهم وتكلفهم في أخطر المواقع، ثم ينفذون أجندة خاصة.. أولا يتمسك النظام بمن هم بلا خبرة ولا دراية، وقد قادوا البلاد إلى قيعان الفساد ولولا دعوات العباد لتمزقت منا الأكباد.. هذا وقد نصحت لهم كثيراً ولم يستبينوا النصح بعد. هذا كله كوم وتغيير لهجة الترابي المفاجئة كوم آخر، فقد حاول أفراد من الحركة الإسلامية في عطبرة وغيرها أن يتجاوزوا الفوقية ويعيدوا اللحمة إلى بعضها، ولكن الترابي حرم ذلك البتة، وسلط كمال عمر ناطقاً باسم حزبه وقائلاً في العلن ما لا يستطيع قوله فيه. للعلماء في الترابي رأي لا يتغير ما لم يتبرأ من فتاويه وآرائه الخارجة عن إجماع أمة الإسلام.. وقد ظل راعياً لكل مشاكل الحكومة، وربما أتهم بأنه المحرك لها لا سيما المحاولات المسلحة.. أن يتحول الترابي 180 درجة في ذات الوقت الذي يجنح فيه ثلاثي الخيانة للسلم والحوار، فلعمرك هذا أمر خطير وتدبير عالي قضي فيه بليل.. فالحذر يؤتى من مكمنه والخائن لا أمان له، ولن يصدق أحد أن الخائن عرمان، والخائن عقار، والخائن الحلو كانت لهم قضية أياً كانت فهم عملاء لجهات صهيونية، ويشكلون رأس الرمح في نهج إسرائيل لتقسيم السودان. ü تنويه: في المقال السابق كتبت عن ضعف الجهات الحكومية التي غيرت الخرطة، ليصبح المسجد المشار فيه قضية أمين الدعو بمحلية جبل الأولياء «GR»- وبالطبع لا يقدح ذلك في الذي عمله الأستاذ الدكتور مولانا يوسف زكريا وما فعله في منطقته يستحق عليه الإشادة والتكريم.