بعد أكثر من عشرين عاماً من التخبط السياسي، لا يبدو في الأفق أي بوادر لتحسن صورة السودان الخارجية، ما أوقعه في حالة توتر وقطيعة صامتة ومعلنة مع أقرب الجيران، فبدا وكأنه يعيش في عزلة من محيطه خاصة العربي، وذلك في حالة نادرة لم يعهدها في تاريخه الحديث. إن المراقب والمتابع للتطورات المحيطة والمتسارعة يلحظ أن تيار الجماعات الإسلامية السياسية الذي علا نجمه في حقبة التسعينيات من القرن الماضي وخاصة في السودان، وهو ذات النهج الذي سارت عليه المسيرة (القاصدة)، بدأ في مواجهة حصار إقليمي منظم ومحكم، مما قد يؤثر ودون شك على السودان الذي يصنف في خانة الدول المغضوب عليها، ووضعه في لائحة الدول الداعمة للإرهاب من قبل أمريكا، على الرغم من المحاولات المستمرة والمستميتة من الخرطوم للتبرئة. وبدا واضحاً أن المناخ العالمي العام حزم أمره للوقوف ضد نمو وتصاعد أسهم التيارات الإسلامية خاصة المتشددة منها، وذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وثورات الربيع العربي. السودان وبحكم تصنيفه لن يكون بمنأى عن ما يجرى في محيطه القريب أو البعيد، مما يضعه في موقف يتطلب منه أن يبدأ وبهدوء في وضع خارطة طريق للسياسة الخارجية تنسجم مع الواقع المحيط بعيداً عن أي تحديات لا معنى ولا قدرة لنا بها، بالإضافة إلى معالجة الأوضاع الداخلية. ليس هناك أي شك أن الخطاب السياسي المعلن والمستتر وتعقيدات الأوضاع الداخلية من صراعات وحروب في مناطق مختلفة من الوطن، وتراكم أزمة الحكم وعدم مصداقية الإنقاذ في التعامل الجاد مع التحديات الداخلية والخارجية والاستمرار في سياسة الاستفزاز المتواصلة ضد قوى (الاستكبار) التي تحارب الشريعة كما يدعي الخطاب، عزز من نهج أمريكا في الاستمرار أيضاً في تشديد الحصار الاقتصادي على السودان، والذي باتت نتائجه الكارثية واضحة على الاقتصاد برمته. رغم سوء الأوضاع التي يمر بها السودان حالياً والتحديات الماثلة والتدهور المريع في الحياة المعيشية والاجتماعية لا يبدو في الأفق أي جدية للخروج من هذا النفق، طالما ظل أسلوب المراوغة والمكايدة السياسية هو الذي يتحكم في أفعال النظام، وكأنه لم يقرأ التاريخ جيداً أو يحلله بمنهجية وهدوء مراعاة لمصلحة الوطن العليا التي بات يحتكرها لوحده ظناً منه أن الآخرين مجرد خونة وعملاء لوطن. فهل استحال على النظام القائم إيجاد أي أرضية ينطلق منها لإزالة تلك الصورة القاتمة التي صبغت سياسته الداخلية، لتنعكس سلباً على الخارجية، وما أفرزته من نتائج وخيمة على حال أوضاعنا برمتها في ظل حصار خانق وضع الوطن برمته في عنق الزجاجة!!. فاصلة: أفلاطون: «نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكر، ومتعصبون إذا لم نرد أن نفكر، وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر».