«الليلة الخميس».. ولا تذهبوا بعيداً.. وهذا القلم ظل رصيناً وسيظل رصيناً ما أليل ليل وما اسفرت شمس نهار.. لذا لن أكتب سطر سجع مقدمة الليلة الخميس.. أما لماذا أحتفي أبداً بالخميس من كل أسبوع.. هذا هو عمود خيمة الموضوع الذي أنا بصدده الآن.. نعم دعوني أداعب «الإخوان» في خشونة لن تصل حتى مجرد الوصول إلي مربعات الإسفاف أو الانحدار باللغة.. أو قبح و «شناة» الحروف.. راجياً أن يتسع صدر هؤلاء «الإخوان» لتقبل هذه المداعبة.. قال مرة والانقاذ «طفلاً يحبو» وغبار عاصفتها كان مازال عالقاً في السماء.. قال متسائلاً في دهشة.. أو حيرة.. أو عجب.. أو غضب من أين أتى هؤلاء.. أظن أن الرجل قد أفزعته «المناظر» التي كانت تعرض في شاشة الوطن بطول وعرض السماء.. الرجل «يفتح» الراديو ومن «دغش الرحمن» وقبل أن «يشرب الشاي أو القهوة بل قبل أن يصحو تماماً من النوم.. يجلجل الراديو بصوت «اللواء» م الآن يونس محمود.. ورغم أن للرجل أسلوباً رفيعاً وكلمات ثرية.. وحروف غنية.. وعبارة أنيقة «وهذه شهادة حق» وما أصدق الشهادة عندما تأتي من «الأعداء» وأنا واحد منهم.. نعم كان أسلوباً رفيعاً.. ولكن الرجل يعبي في خزانات بنادق فتنطلق من مواسيرها نيران لم تترك ركناً إلا وامطرته ولم تترك «زولاً» وإلا رجمته.. ولم تترك مجتمعاً إلا وأحرقته.. وما زلنا مع فخر الأمة السودانية الذي بنى لها مجداً من كتب وروايات وحروف شهد به العالم أجمع.. بعد أن يستمع الرجل إلى المقدم.. في ذاك الزمان.. والشمس ترتفع قليلاً حتى يفاجأ الرجل بأن رجلاً من «البدريين» أعني الذين فجروا الثورة أو من الذين أوكلت لهم أرفع وأجل المناصب خطراً وخطورة في الخرطوم.. الخرطوم التي وصلها قطار ود المكي مهدوداً مكدوداً بعد أن شهد بكشافاته البؤس يربض في طرقات الأقاليم والمسغبة تتبدى جليةً في مدن دفنتها الرمال.. ورواكيب تعبث بها أخفَ «هبة» من الرياح المهم يصل القطار ليجد أن الخرطوم تستحم بالنيون.. وتستلقي على روعة العشب الأخضر.. وتعابث بقدميها الحافيتين وعلى الشاطيء موجات تأتي وتذهب من النيل العظيم.. هنا يدرك القطار المفارقة فيهتف في أسى.. ما أتعس رأساً مشلول الأقدام.. يا إلهي.. كدت أنسى.. يقرأ ود المكي صحف الصباح.. أو ينقل له أحد المعارف أن ذاك المسؤول قال بالأمس هادراً راعداً متوعداً عائداً بالوطن.. كل الوطن في رحلة عكسية.. عائداً به إلى تلال الملح في مضارب تميم.. من أراد أن تثكله أمه فليغلق متجره.. يضرب «الطيب» كفاً بكف.. ورأسه يلتف في هدوء يمنة ويسرة.. من أين أتى هؤلاء..؟ ثم وحتى يرتاح الرجل قليلاً ويغسل أحزانه.. أو يغرقها في جركانة من العسل تذهب أصابعه إلى إذاعة السودان وأحياناً «تلفزيون السودان» ممنياً النفس بأن تصافح أذنيه.. وتشاهد عينيه عبر الشاشة عثمان حسين وهو يشدو:- جاي تترجاني أغفر ليك ذنبك ما كفاية الشفتو من نارك وحبك إنت فاكر تاني أرجع ليك وأعاتبك لا.. لا يا هاجر دربي أصبح ما هو دربك.. وبينما كان الطيب ينتظر ذلك.. إذا بالمجموعة تهدر في دوي يصم الآذان.. في ايدينا رشاش في ايدنا خنجر.. وما أن ينتهي النشيد حتى وبعد «ثانية واحدة» يأتي نشيداً آخر أشد هولاً من ذاك.. فالترق منا دماء أو ترق منهم دماء أو ترق كل الدماء.. ويفزع الطيب.. ويردد مرعوباً من أين أتى هؤلاء..؟ والأحد راحلنا العظيم نشرح لك من أين أتى هؤلاء!!؟