وأتلقى قبل ثلاث أيام.. هدية بالغة الأناقة.. كاملة الأوصاف.. بهية الوسامة.. جعلتني أتيه عربدة.. وأعود إلى مضارب تميم وتلال تهامة.. أغادرها بجناحيَّ فراشة حالمة إلى بغداد الرشيد.. وأنشد شاكراً مع البحتري وهو في حضرة المتوكل أخجلتني بندى يديك فسودت ما بيننا تلك اليد البيضاء.. أنا أشد الناس احتفاءً بالمعروف.. وأجل الناس احتفالاً بالهدايا.. أتيه زهواً.. أغني طرباً لو حتى أهدى لي أحدهم «قلماً» أظل الهج بشكره ما أسفر صبح وما أليل ليل.. الهدية أحبتي.. كان كتاباً صقيلاً وجميلاً من سعادة السفير الطريفي أحمد كرمنو والذي كان بعنوان «خفايا وأسرار في الدبلوماسية السودانية» يا لروعة الحروف عندما تصبح ملمساً.. ويا لبهاء الدهشة عندما يكون لها لوناً.. وهل كانت في نظري أو رأي أو اعتقادي هي مجرد كتاب خطه يراع سعادة السفير.. أبداً وكلا وحاشا فقد أهداني الرجل «قطعة» من الوطن في تلك الأيام البديعة.. أعادني إلى تاريخ أنصع من شخب الحليب.. أيام كان الوطن تشتعل سماؤه بباهر المصابيح.. أيام كان السودان فيها متأنقاً متألقاً متوهجاً.. في كل مناحي الحياة.. ويا لبهاء الصورة.. ويا لسحر الأسطورة عندما يكون الحديث عن الدبلوماسية السودانية.. هناك تنتصب شامخة قمم رجال كصواري المراكب.. وتضيء في ابهار شخصيات وكأنها منارات الموانيء.. تتدافع وتتدفق الأسماء التي كتبت بالسلوك المهذب المتحضر الرصين أزهى وأبهى الصفحات الخالدة في تاريخ السودان.. تجولت في صفحات الكتاب الذي إلتهمته كقطع الحلوى تجول عشاق حفاة على روعة العشب الأخضر.. أضاء جنبات عقلي بباهر مصابيح لم تكن غير رجال ونساء حفروا بأطراف أسنة وخناجر لوحات باهية على جدر العواصم البعيدة.. لم تكن غير سفراء بل بعثات دبلوماسية كانت صبحاً واشراقاً في بلاد مغسولة شوارعها بالجليد.. أو منتصبة مغروزة في الرمال.. أو بلاد تركب الأفيال.. أو بلاد بلون البن في غابات القارة السمراء.. لن أحدثكم عن كل ما في الكتاب.. هذا أمر أرجو أن يتناوله رفقاء وزملاء سعادة السفير والذين كانوا سفراء هذا الوطن الجميل والنبيل حتى يعلم أبناء الجيل الحالي ما انطوت عليه الدبلوماسية السودانية آنذاك من ابداع و اشراق.. فقط استوقفتني تلك الصرامة والجدية المطلقة والحديدية القاسية في اختيار من تريده الخارجية في سلكها الدبلوماسي أو عقدها ذاك النضديد.. أن تكون جامعياً.. هذا ما يجب أن تكون.. أن تخضع لامتحانات تقوم بوضعها جامعة الخرطوم.. وتقوم بتصحيحها جامعة الخرطوم تلك الجميلة وجميلة.. ثم معاينة بل امتحان متعدد الورقات الكلامية.. «فلفلة» للمرشح لتلك القلعة المهيبة وذاك السلك البديع سلك الدبلوماسية الرفيع والمهيب.. معلومات عامة يجب أن تتوفر في تجاويف صدر وفي سويداء قلب كل من تطلع أن يصبح يوماً وجهاً نضيراً ولساناً رفيعاً لوطن اسمه السودان وشعباً هو هذا الشعب النبيل المدهش الفريد.. اسئلة عن التاريخ والجغرافيا والاجتماع والنشيد والنظم الشعري الرصين بل حتى والغناء النظيف الرفيع.. اسئلةعن كل ما يحيط بالوطن.. سياسة وأنشطة وثقافة.. نسيت أن أقول إنه وفي أحشاء الكتاب علمت إن الامتحان التحريري يشتمل على ورقة في اللغة الانجليزية تصحح أولاً قبل كل الأوراق والذي يرسب فيها لا تصحح له بقية الأوراق.. وبكرة نواصل السياحة في مروج الكتاب الأخضر