ü ثروت الخِرباوي هو الكاتب والناقد الأشهر المعاصر في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين المصرية، الذي أمضى شبابه وكهولته الأولى في صفوف الجماعة وخرج عليها بعد طول صبر وتردد، ليكتب تجربته ويوثقها كشهادة للتاريخ. ü ومامون الهضيبي- القاضي المستشار السابق- هو ابن المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي ونائب مرشد الجماعة في عقد التسعينيات من القرن الماضي عندما عاد والحاج مصطفى مشهور من المنفى الاختياري والإغتراب ليصبح الثاني مرشداً عاماً للجماعة ويتسنم هو منصب النائب. ü بسبب توقه الدائم للتفكير الحر والتمسك بما يراه حقاً وفي مصلحة الجماعة اصطدم الخرباوي بالقيود التنظيمية الصارمة التي اعتادت عليها الجماعة واتخذتها منهجاً للتربية التي تقوم على مبدأ «السمع والطاعة»، بحيث يكون العضو أمام قائده أو مرشده كما حال الميت بين يدي غاسله، يقلبه كيف يشاء. والخرباوي محام وكادر متقدم في صفوف قطاع المهنيين مع زملائه مختار نوح وإبراهيم الرشيد وآخرون، وكان الأول هو مسؤول لجنة المحامين في الجماعة، لكنه ذهب إلى السجن حبيساً مع الرشيد والمرشد الحالي- عضو مكتب الإرشاد السابق- محمد بديع والعضو الآخر محمد بشر، في ما يعرف «بقضية التنظيم» اثر اجتماع عقدته المجموعة بمدينة نصر بالقاهرة ورصده وداهمه الأمن واعتقلهم جميعاً، ليقدموا من ثم للمحكمة العسكرية. ü ثروت الخرباوي وجد نفسه محامي الدفاع الأول في مواجهة النيابة العسكرية والمحكمة قبل وبعد المحاكمة، وكان على صلة وثيقة برفاقه في السجن يقدم لهم العون القانوني والمؤازرة الأخوية والانسانية وأصبح صلة الوصل بينهم وبين اسرهم في الخارج، بالرغم من أنه رسمياً ليس هو من خلف مختار نوح في قيادة المحامين فقد كان هناك محام آخر يدعى «محمد طوسون» هو من كلفته قيادة الجماعة والمرشد مشهور بتولي قيادة المحامين، ولم يكن طوسون مهتماً بقضية رفاقه المحبوسين، خصوصاً نوح الذي تجمعه به علاقة لا تخلو من توتر وتنافس، لذا لم يكن متحمساً لمتابعة القضية. ü انتخابات المحامين، للنقيب ومجلس النقابة عام 1995، بعد رحيل أحمد الخواجة النقيب الأشهر في تاريخ نقابة المحامين المصريين واتحاد المحامين العرب، كانت موضوع الخلاف الأكبر بين الخرباوي وطوسون والجماعة، فبينما دخلت الجماعة والمرشد في صفقة على منصب النقيب مع رجائي عطية لدعمه بأصوات المحامين «الإخوان» لقاء بذْله جهداً سياسياً أولاً وقانونياً ثانياً من أجل الإفراج عن محبوسي الجماعة أو على الأقل تخفيف الحكم عليهم، رأى الخرباوي من خلال متابعته للقضية وتصرفات رجائي أن لا فائدة ترجى من الرجل، فاتجه لدعم منافسه على المنصب المحامي الناصري «سامح عاشور»، النقيب الحالي، والذي فاز بالمقعد منذ ذلك الوقت وظل يحتل المنصب حتى اليوم. ü الجماعة رأت في موقف الخرباوي مخالفة لقرار التنظيم وخرقاً لمبدأ السمع والطاعة، وقرر المرشد- الحاج مصطفى مشهور- معاقبة الخرباوي ومحاكمته تنظيمياً، فاصدر أمره الذي بُلَّغ للخرباوي بواسطة زميله في الشعبة المهندس ممدوح الحسيني، وكان «الأمر» هو أن يظل الخرباوي حبيساً بمنزله بإقامة جبرية لمدة اسبوع، لحرمانه من النشاط والمشاركة في الحملة الانتخابية لنقابة المحامين، فالتزم الخرباوي بأمر المرشد وقبع في داره لا يخرج إلا للصلاة في المسجد المجاور، وخرج لمرة واحدة لارتباطه بقضية مع أحد زبائنه في معية الحسيني نفسه الذي نقل إليه أمر الإقامة الجبرية وامضى بقية اليوم معه في مكتبه الهندسي. ü ومع ذلك، شكلت الجماعة بأمر المرشد محكمة تنظيمية للخرباوي لتحقق معه في ما اعتبرته ست مخالفات هي: الاتصال بمجموعة حزب الوسط التي يقودها أبو العلا ماضي، ولصلته بالدكتور سليم العوا، والوقوف ضد رجائي عطية ومناصرة سامح عاشور، وكتابة مقالات ضد الإخوان في الصحف، ومؤامرة على المرشد ولقاء سامح عاشور، ومخالفة قرار المرشد بمنع خروجه من بيته والوقوف مع عاشور ضد قائمة الإخوان. ü جرت المحاكمة بمكتب المهندس الحسيني، برئاسة الحاج جودة شعبان وعضوية الحسيني نفسه «كعضو يمين» ومجدي عبد الله «عضو اليسار»، ورئيس المحكمة الحاج جودة شعبان هو نائب رئيس منطقة شرق القاهرة في التنظيم وأحد أفراد الرعيل الأول، وكان قد حُبس في قضية محاولة اغتيال عبد الناصر عام 1954 المعروفة ب«حادثة المنشية» في الاسكندرية، حيث كان وقتها من رجال «التنظيم الخاص» ولبث في السجن إلى بداية السبعينيات حتى افرج عنه الرئيس السادات مع من أفرج عنهم من الإخوان. ü أطرف ما في تلك المحاكمة التي فندها الخرباوي بتوسع في كتابه «قلب الإخوان- محاكم تفتيش الجماعة» هو ذلك الإتهام الذي يدمغه بمخالفة أوامر المرشد بمنعه الخروج من منزله والذهاب لمناصرة عاشور يوم الانتخابات، فالحسيني عضو المحكمة (اليمين) هو ذاته الذي نقل إليه أمر المرشد بالحبس المنزلي وهو ايضاً شاهده الذي رافقه طوال ساعات الانتخابات وأمضى معه اليوم في مكتبه لقضاء ارتباطات زبائنه، وكان شاهده الأول والأخير في هذا الصدد.. أما عن البنود الأخرى المتصلة بتوجيهات التنظيم لدعم رجائي عطية في مواجهة سامح عاشور، فقد أبلغ الخرباوي أعضاء المحكمة أن قرار التصويت لهذا المرشح أو ذاك هو قرار ذاتي لا يجب أصلاً أن يصدر عن تنظيم يدعي مناصرة الشريعة، لأن التصويت «شهادة» شهادة الحق، يسأل عنها صاحبها، أمام ربه يوم يأتي كل الرحمن فرداً، ويتحكم فيها ضمير المقترع وليس قرار التنظيم، خصوصاً لو كان الأمر يتصل باختيار نقيب للمحامين ونقابة، كل همه وهمها هو الدفاع عن حقوق ومصالح المحامين الفئوية والدفاع عن حقوق الانسان أياً كان لونه أو عقيدته، وانتهت المحاكمة، ولم يصل «القضاة» إلى نتيجة فورية، وابلغوه بأنه سيعرف بنتيجة الحكم في وقت لاحق. وانتهى الأمر بإحالته لتحقيق آخر مع أحد قدماء القانونيين وعضو مكتب ارشاد الجماعة في المنصورة، يدعى «محمد هلال»، فذهب إلى هناك وعاد، ليبلغه عضو مكتب الارشاد، مسؤول قطاع المهنيين، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي لاحقاً، بأن المحاكمة قد جرت أصلاً في غير «إطارها التنظيمي»، حيث كان يجب أن تتم بواسطة قطاع المهنيين الذي يتبع له الخرباوي. ووجه أبو الفتوح الخرباوي لمقابلة نائب المرشد مامون الهضيبي لحسم الموضوع.. ü في الحلقة القادمة- غداً إن شاء الله- نروي ما دار بين الخرباوي والهضيبي في تلك المقابلة، وكيف تحولت لمواجهة قاسية، وما ترتب عليها في مقبل الأيام من ترك الخرباوي للجماعة وفتح النار عليها في الصحف ليمس لهيبها جلباب الهضيبي شخصياً كما ورد في كتاب الخرباوي الثاني «سر المعبد».