لحوار بين القوى السياسية السودانية والحكومة والتحرك خطوة من مربع الخلاف والحرب والانتقال الى مربعات تخرج الدولة من أزماتها المتعددة والتي أدخلت الدولة في معارك سياسية وعسكرية، حيث أصبح السلام والاستقرار أمنية عزيزة وعصية على كل القوة السياسية في الوصول الى ذلك، خمسة وعشرون عاماً من الزمان تتعارك الحكومة وقوى المعارضة، ومازالت النتيجة (صفرية)، الى أن وصلت الأزمة السودانية مراحل متعسرة، وأن هذا العسر وصل مداه أن ليس بعده يسر، خاصة إذا أخذنا العقلية التي تدير الأحزاب السياسية وتلعب في ملعب السياسة بدون أن تضع الوطن والمواطن في أجندتها. ومن يتابع المبادرات السودانية في الحوار بين الحكومة والمعارضة منذ مبادرة الشريف زين العابدين الهندي الى دعوة الرئيس الحالية، يجد أن المشاهد متكررة ومتشابهة حد الأصل، وأغلب المبادرات تلك وصلت الى اتفاقات ثنائية كانت سريعة الذوبان في المشهد السوداني، عدا مبادرة الشريف التي من ثمارها التحالفات القائمة مع المؤتمر الوطني والأحزاب المشاركة في الحكومة، أما دعوة الرئيس الأخيرة مازالت الأحزاب والقوى السياسية تتداولها ما بين الرفض القائم على فرضية أن النظام يعاني ضعفاً واضحاً لهم من قراءاتهم الحزبية، ويعولون على الضغط الخارجي وأن هناك(عزلة) اقتصادية قادمة ربما تكون آخر طلقة تصيب النظام، وينتج عنها تفكك النظام وحزبه، وهؤلاء ينتظرون (حرب الايدولوجيا والاقتصاد) في المنطقة العربية التي يرون مؤشراتها ما أفرزه المشهد المصري الآن والعلاقات الخليجية الخليجية، وهذا التيار المتعشميقوده الحزب الشيوعي والمؤتمر السوداني والترويج له عبر فضاءات الإعلام الالكتروني، والمنتديات الخارجية في دول المهجر وكذلك الصحافة الأجنبية، أما أحزاب الأمة والاتحادي والشعبي يرون الأزمة وصلت مراحل قد تقود الى وضع كارثي يذهب بالدولة السودانية في حد ذاتها فاقبلوا الى الحوار كمبدأ وفي آمالهم الوصول الى حلٍ يوصلهم الى الديمقراطية (بضاغط سوداني)، دون النظر عن ما تسقطه سماء صراع الايدولوجيا والاقتصاد، ومابين المتعشمين في الضاغط الخارجي والضاغط الداخلي في الوصول الى المبتغى يظل الوطن والمواطن ينتظر حلاً للأزمة السودانية في الفرصة النهائية، وفي الوقت المناسب بعد أن تجولت ملفات الأزمة السودانية في كل العواصم الإفريقية ولم تُحل.. (ابوجا، أديس أبابا، ابشي، القاهرة، اسمرا، اروشا، الدوحة، أم جرس .............الخ).. ومع كل هذا تتوالد الأزمة إذن لم يبقَ إلا الداخل المحروق بجمر الأزمة، وعلى القوى التي تعتقد أن النظام يعيش حالات ضعف عليهم مراجعة مسيرة هذا النظام فهو يدير الآن أكثر من معركة في وقتٍ واحدة فهناك دارفور، وجنوب كردفان، والحرب الاقتصادية، إضافة الى الحظر القائم منذ عشرين عاماً، وتعرضت الى هزات عنيفة في كيانه السياسيفي 1999م بانشقاق عرابه وخروج مجموعة الإصلاح الآن، ومع كل هذا تعيش قوى الرفض في محطة التجمع الوطني وأحلام أن ينهار النظام. وفي اعتقادي أن استمرار عرض الأزمة السودانية واستفحالها يرجع الى: أولاً النخب المعارضة التي تقود العمل السياسي تعتمد على قراءات خاطئة مستنبطة من واقع خارجي- كما حدث في ثورات الربيع العربي ومخلفاته في المنطقة العربية- وهذه القراءات الخاطئة تقوم بها فئة من معارضي المهجر الذين يعيشون في المنافي ويحيكون القصص والأخبارمن واقع ارتباطهم بدوائر لها مصلحة، في أن تكون الدولة السودانية بأزمتها الماثلة، وهؤلاء ينشطون في الإعلام الاسفيري والصحافة الأجنبية ومراكز الدراسات والمنظمات الدولية، وهم ناشطون في تعزيز الصراع العرقي في السودان، والدعوة لتفكيك الدولة السودانية انطلاقاً من مشكلتي دارفور وجنوب كردفان. ثانياً: الغيرة السياسية لدى قادة الأحزاب المعارضة وهذه الغيرة أفشلت التجمع الوطني، وكذلك قوى الإجماع ولذلك حينما تقاربت الخطوات بين الأمة والوطني في جيبوتي تحركت الغيرة مات التجمع، وعندما التقى الصادق المهدي والترابي مع الرئيس قالوا هذا تحالف اليمين، رغم أن دار حزب الأمة يحضن كل أنشطة المعارضة، وفي لقاء الترابي البشير قادتهم غيرتهم الى أن المسرحية بدأت من الرابع من رمضان 1999م.. وهكذا تقوم تحالفات المعارضة وتنهار بالغيرة وليس غيرها، ودليلي لماذا حزب المؤتمر السوداني لا يندغم مع الحزب الشيوعي مرتكزاتهم الفكرية متقاربة وربما واحدة، وأن معظم كوادره من الذين تركوا الحزب الشيوعي في مؤتمره الخامس، وخاصة القيادات الشبابية؟ لماذا خرج الشعبيون الإصلاحيون من المؤتمر الوطني، وهم بكياناتهم نفس الملامح والشبه؟ لماذا لا يكون الاتحاديون على رجلٍ واحد وكذلك الأمة؟ ولماذا تتكاثر فصائل دارفور وتتوالد والقضية واحدة؟ إنها الغيرة ونرجسية القادة. ثالثاً: التحالف الثلاثي ما بين قوة التمرد وقوى المعارضة والخارج المستتر الذي تقدره الحالة عبر رحلة الوسطاء الدوليين والمنظمات هذا الحلف دوره الأساسي هو استنزاف الدولة السودانية عبر مسارين، إضعاف القوة العسكرية والاقتصادية وكذلك إضعاف النسيج الاجتماعي. إن السودان أيها الساسة يا كبار ليس ببعيدٍ عن ما يجري في المنطقةوليس مطلوب منك غير أن تجعلوا الوطن في حدقات العيون، وانظروا الى حلفائكم كل الحلفاء فهل تجدوا فيهم دولة المدينة الفاضلة؟ أنهم يختلفون ويتفقون في الوطن يتنازلون من أجل الوطن فلماذا لا تتنازلون أنتم من أجل الوطن والمواطن؟ نريد ساسة يعشقون هذا البلد ولا يحرقونه كما تحرقون بلدنا هذا كل يوم وأنتم تفرحون، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فانتظروا يوماً تبكون فيه على وطنٍ مزقته أحقادكم.