لتجارب التي عاشها الشعب السوداني كثيرة، ولكن تجاربه مع العهود الديمقراطية والديكتاتورية مثيرة، وهي سجال من الحروب التي تتوقف فترة لتنشب من جديد.. وهكذا عاش الناس فترة مع الديمقراطية وحكم الشعب كما يقولون، ونزعت ورقة التوت الوحيدة التي نستتر بها اطل علينا صباح جديد، وقد اصبحنا تحت نيران دبابات صديقة استولت على الاذاعة واعلنت احكاماً قبضت بيدها العسكرية على العباد والبلاد، وكلما طفح الكيل بالشعب من حكم استبدادي خرج للشارع في تظاهرات لاتهدأ، فيعيدون الساسة من جديد لسدة الحكم، وهكذا تمضي ايام السودان نهباً بين الساسة والعسكر، وعندما استولى جعفر محمد نميري رحمه الله في عام 1969 على الحكم وجد تجاوباً من الجماهير لا يوصف، ووجد مساندة من شعب كان بالأمس القريب هو بطل ثورة اكتوبر ومفجرها وها هو الشعب نفسه الذي يهلل اليوم لحكومة جاءت عبر الدبابات والبنادق لكرسي الحكم!! ولكن كان الحال الذي أوصل النميري واخوانه الى الحكم حالة صعبة وظروفاً سيئة عاشها الناس مع الساسة والأحزاب في مكائدهم وتقلباتهم ونصرتهم لأحزابهم دون الشعب الصابر.. فجاء النميري ليكون رجل الخلاص في تلك المرحلة وعاش الشعب مع النميري سمناً وعسلاً لبضع سنوات حتى يتضح للشعب الصابر أن حاله تبدل الى الأسوأ وأن ما يرجوه من نميري لن يتحقق..! وأن السودان بدأ يدخل في نفق مظلم وفي تحالفات لم يرتضيها شعبه، ويعيد الشعب الكَّرَّة من جديد ويعيد السودان الى مربع جديد من مربعات الديمقراطية العرجاء وجاء الحاوي السياسي ذاته فأخرج من جرابه أدوات حيله القديمة، وبهر الناس بديمقراطية زاهية الا انها خادعة للأبصار والأذهان وما هي الا أيام وقد انجلت الغشاوة من أعين الناس، وعرفوا انهم بين يدي سحرة..! ولكن ليسو كسحرة فرعون الذين آمنوا.. تلفتنا فوجدنا السودان يكاد يقضي نحبه فلا أمن ولا أمان ولا لقمة تسد الرمق، مجاعات وكوارث وحروب وجزءاً من ا لوطن يكاد يذهب لقمة سائغة الى أفواه الأعداء.. وليس كتقرير مصير الأخوة الجنوبيين في نيفاشا.فقلنا وقتها أن الحل بيد شرفاء القوات المسلحة الذين ظلوا على العهد دوماً بهم تنقشع الغُمة ويعيدون الصباح الجميل للسودان الحبيب.. ولم تعجب كلمتنا وقتها دهاقنة الساسة فادخلونا غياهب السجون، شخصي وزملائي في صحيفة الرأي التي كنت أصدرها حينذاك.وينبلج فجر يوم جديد، فتعود تلك الدبابة وتستولى على الاذاعة والحكم.. وينطلق صوت قائد عسكري جديد ليعلن ميلاد عهد عسكري جديد ويهلل الناس للقائد واخوانه وتنطلق المسيرات المؤيدة وتعود الأيام سيرتها، فلا يهدأ السودان من حروب معلنة وخفية ضد الثورة الوليدة.تلك هي قصة السودان باختصار شديد في مرحلة ما بعد اكتوبر.. حيث لم نشر الى عهد الرئيس عبود والى بدايات الحكم في السودان في مرحلة الاستقلال... الآن السودان يستشرف عهدًا جديدًا من الديمقراطية.. وأننا لنحمد للرئيس عمر حسن أحمد البشير دعوته لحوار جامع لأبناء الشعب السوداني وأحزابه حتى يعود السودان الى الحكم الديمقراطي، والى أن يختار الناس من يحكمهم بملء ارادتهم.. وستأتي أيام من الديمقراطية الراشدة.. وقد عرف أهل السودان طريقهم ومخرجهم من الأزمات.. ولننتظر بإذن الله حتى يقول الشعب كلمته، ويختار من يحكمه من جديد ولتكن (الوثبة) حقيقة لا هرولة أو تباطؤ.