رن جرس هاتفي ليلاً وظل يعاود الرنين وبعد النظر تحت الحاحه جاء التراجع عن الرد بعد ان اتضح أن الرقم غريب وانه جاء في زمان صار فيه الناس يحرصون على عدم الرد على الهواتف الغريبة ولم ينته الأمر الى هنا بل جاءت المفاجأة عقب عدم الرد في رسالة على شاشة هاتفي تحمل اساءات بالغة لشخصي وتهديداً ومطالبات بكسر قلمي والابتعاد عن مهنة الصحافة ليتضح لي بعد الرجوع للجهات المختصة أن الرقم الذي صدرت منه الاتصالات والرسالة لشخص خارج البلاد وأن الشبكة المرسل عبرها تتبع لإحدى شبكات دولة مجاورة كشفت لي الرسالة أن ما ورد فيها جاء إثر ما كتبته في هذا العمود عن التجربة الشخصية التي عشتها بالجنوب مؤخراً وعانيت فيها من تضييق الحريات مع فريق قناة النيل الازرق الذي غادر إلى هناك ولم نتمكن طوال يوم كامل من التسجيل في الشارع أو الأسواق أو تصوير المدينة وحياة الناس في حرية وكان يتم اعتراضنا كثيراً ممن يصنفون قناة النيل الأزرق بأنها قناة تعمل للوحدة فلم نستطع إلا تسجيل دقائق محدودة وبالتأكيد أن مثل هذه المسائل تأتي في سياق تضييق الحريات والذي يجب ألا يكون منهج شخص أو جهة قبل الاستفتاء الذي نصت الاتفاقية على أن يسبقه عمل جاد على جعل الوحدة جاذبة وأن يأتي في جو حر ووسط شفافية عالية بلا ضغوط أو تهديد حتى تجد النتائج التي سيخرج بها القبول من كل الأطراف وحتى تستمر الوحدة إن جاءت خياراً وتعيش وسط احترام الجميع وحتى يتم الانفصال إذا ما جاء خياراً في جو معافىً وفي سلاسة تجعل الجوار ودياً وفرز العيشة سهلاً.. وأقول إنني حزنت للتهديد والاساءات التي وصلتني في مرحلة يفترض أن تشيع فيها الحريات ويسمح فيها لدعاة الوحدة والانفصال العمل كلٌّ بالحجة والمنطق العقلاني بعيداً عن التهديد وتضييق الحريات. ومن هنا أقول إنني سأظل من دعاة الوحدة من قناعة أن جغرافية الوطن وروابطه الاجتماعية يجب أن تُضعِف من أي حجج لدعاة الانفصال الذي يختارون الصوت العالي والوسائل الأخرى حتى يقوّوا من موقفهم ولا شيء غير ذلك. دعونا نؤسس لتجربة مثالية في منح المواطن حقه كاملاً ليقول رأيه وينحاز للخيار الذي يراه لصالحه بلا إملاء وبلا ضغوط من جهة وبلا تهديد لدعاة أي خيار ما دام الخيارات قد اتفق عليها وتم اقرارهما في الاتفاقية وما دام المنطق يقول إن الواقع الذي سيأتي بعد الاستفتاء لن يكون قوياً ومعافىً إن جاء بالقوة أو التهديد أو غيره وهذما لا نريده لأيٍّ من الخيارين. أخيراً قال لي الأستاذ الفنان والمذيع المعروف الزبير نايل الذي صار عميد الإذاعيين في قناة الجزيرة والذي يُعد من رموز زمن جميل في الفضائية السودانية بما يمتلكه من كاريزما المذيع الأخباري - قال ذلك المذيع المهذب الخلوق الذي لا يمكن تجاوزه في خارطة الاعلام في أكبر الفضائيات العربية «إن زملاءه في القناة قالوا له إن أكثر ما يعجبنا في السودانيين التنوع الذي في بلادهم» مشيرين الى إسلام صالح بلونه الأبيض والكبير الكتبي والزبير بالسمرة الجميلة وعادل فارس الاذاعي الانيق.. نعم انها لوحة لا يمكن ان تكتمل الا بهذا التباين الجميل الذي أعطى السودان نكهته وروحه التي يجب أن تبقى.