ما بتخدِّر البسقوها بعد النشفَه.. ووكت الروح تروح... طعن الإبار ما بشفى يا رمز الوفا.. النادر.. عريس الكشفه في المعدودة.. ما بنفع.. دوا المستشفى قالها عكير الدامر مودعاً روح صديقه الشيخ الكباشي ونأخذها لنودع بها شاعرنا رحمة الله عبد السيد شاعر القصيدة الذائعة الصيت «خاتمي البعجب البنوت/ خاتمي الدُّر والياقوت».. وقد كتبنا عن الشاعر وعن القصيدة حلقتين من قبل.. وتحدثنا عن جهل كثير ممن تغنوا بها ملكيتها للشاعر.. وأوردنا قصتها عن لسانه. رحم الله شاعرنا رحمة الله عبد السيد الذي لبى نداء ربه قبل أيام.. لقد مضى وفي نفسه شيء من قصيدة الخاتم التي تغنى بها بعض الفنانين على رأسهم الفنان الرقم صلاح ابن البادية.. والشيء الذي كان في نفس المرحوم- بإذن الله- انه وهو حيّ «سرقت اغنيته».. التي ذاع صيتها ونسبت لغيره أو تجاهلته الساحة الفنية.. مما جعله وهو متقدم في السن يسعى إلى الاذاعة السودانية ليثبت ملكيته للقصيدة.. مورداً منها الأبيات التي لم يتغن بها ابن البادية.. ذاكراً أن قصة الخاتم لم ترد على لسان ابن البادية صحيحة.. فقد ذكر لي أن الفنان صلاح أورد في لقاء ان الخاتم «سرق» بينما أن الواقع يقول إن الخاتم «ضاع» من صاحبه وهو يعمل في الساقية يدل على ذلك قوله «أريت الساقية بالغواص» وقوله «مَدِّي بلاغي للبوليس/ طلَّعْ ليْ أمُر تفتيش/ يَهدّو الساقية غير تحنيس/ وناسا الفيها جو محابيس» اذن قضيته ضد الساقية وليست ضد «نشال» أو سارق- كما زعم ابن البادية. ولم يكتف الشاعر بهذه البينات فقط بل اضاف إلى القصيدة أبيات أخرى موجهة إلى الفنان صلاح يتهمه فيها بأنه سرق قصيدة الخاتم.. فكأنه سرق الخاتم نفسه يقول فيها.. خاتمي السرقو ود البادية/ غَنَّى وما هو عارف الباقيه/ الخاتم ودرْ في ساقيه/ وعاجب الفي «الكُجَر» متاقيه/ فهو يوضح له أنه غير ملمْ بقصة ضياع الخاتم.. ويضيف معاتباً: «ود البادية إتحديت/ قصيدة خاتمي ليه غنيت/ لي مدير الإذاعة شكيت/ خاتمي جرزتو نور البيت» وبعض الأبيات تؤكد أن الخاتم عزيز على الشاعر وأن فقده مؤلم.. فهو يخاطبه «وين الكيله متمسي/ يا المسخ عَلَىْ قشي/ الما بعَزيني في خاتمي/ لي بكا أبوه ما بمشي/.. وخاتمي الحظ لي أم «قادريه» والقادرية كانت نوعاً من مشط شعر الفتاة روحتوا الفي السواقي حكيه/ إن جيت ماشي لافي عشيه/ نور الخرزه بطاريه» هذه قضية الشاعر مع الفنان ابن البادية الذي غنى الأغنية دون التحقق من صاحبها والرجوع إليه.. ولو كانت الملكية الفكرية تعمل حينها لكان لجأ إليها لإثبات أحقيته.. ولكنه لجأ إلى الإذاعة لا يطلب حقاً مادياً بل حقاً ادبياً ولكنه لم يجده.. فمن يتبنى قضيته الآن؟ استهللت بأبيات الشاعر عكير الدامر في رثاء صديقه الشيخ الكباشي دون ربط بين الشاعرين رحمة الله وعكير.. غير أني عندما رجعت إلى مقالاتي السابقة وجدت أنني أوردت قصة فيها ربط بين الشاعرين.. حكى لي المرحوم- بإذن الله- رحمة الله.. أنه قُدم كشاهد في إحدى القضايا.. ولما سُئل عن اسمه ذكره كاملاً «رحمة الله عبد السيد الكندو» في شيء من الاعتزاز.. فانفجر الحضور بما فيهم القاضي نفسه ضاحكين.. قال فاثارني ضحكهم.. فقلت في حدة: لماذا تضحكون- هذه محكمة.. وليست جلسة ونسة.. يجب عليكم الانضباط.. والسلوك المهذب.. قال فالتفت إليّ القاضي- وكان مشاركاً في الضحك- قائلاً: أنت أهنت المحكمة.. وأمر الحاجب بأخذي إلى الحبس.. ولما خرجت أوضح المحامي للقاضي أني أنا الشاهد الاساسي في القضية.. فارجعني القاضي.. وطلب إليّ أن اعتذر فأكدت له انني لم ارتكب خطأ اعتذر عنه.. ورفضت الاعتذار.. وقلت للقاضي «هسع المتهمين ديل لو اعتذروا حتفكهم؟» قال: لا.. قلت اذن عاقبني مثلهم.. واُسقط في يد القاضي- ولكنه لجأ إلى حيلة أخرى فقال لي: نحن نعرف أن الشاهد عندما يقف امام المحكمة يكون متوتراً.. فنلجأ إلى مداعبته ليسترخي وسار في القضية.. فتناول الشاعر عكير موقف صديقه رحمة الله عبد السيد قائلاً: غُنَاكَ حقيتو يا علم القضية المسمى/ فوقك بالشكر مجبور/ أبَيِّنْ وأسمى/ الشعر التركتو زمان واصبح خصمي/ ليك راجع لو يا المانع الهظار بالرسمي/ في المكتب دَخَلْ.. جيت ماشي فوقك هيبه/ قدامك يلوح نور الشباب والشيبة/ لي اسمك وضعت وثيقة تاريخ طيبه/ والحارساه الفراسه.. الشكره ليهو قرَيْبَه/ عَملتها ليك تاج.. تفخربو بيهو تَعَيِّدْ/ أرجوك القبول يا البي النسب مُتْقَتّدْ/ دمتَ اسد معارك.. يا الغَرور الجيِّد/ أحياك الله.. كوكب عالي يا أبو السيد.. ألا رحم الله.. أبا السيد رحمة الله عبد السيد واسكنه فسيح جناته.. ولانجاله وآله وذويه وآل قنجاري جميعاً ولابنائي بلال والطيب محمد عمر عزائي واعتذاري لعدم تمكني من زيارته بالمستشفى لوعكة ألمت بي.. وليت ابن البادية علم.. وزاره في المستشفى لكان اتى بلمسة أخيرة في حياة الرجل.. وهل بالامكان رد حقه- على الأقل- (الادبي) بعد غيابه؟