ما بكيتم من شيء إلا بكيتم عليه- أنج سعد فقد هلك سعيد- ليس في الأمكان ارضاء كل إنسان كان واجباً وطنياً شحذ المواطنين للنفرة لمواجهة أخطر مرحلة في تاريخ البلاد ضماناً لوحدة الصف والانتكاسة وحماية الوفاق من الشقاق، ولا تزال الضلوع محنية من فواجع أبو كرشولة وحسكنيتة واللعيت جار النبي.. أحداث أرمضها على القلوب زراعة الخبث بين أبناء الأمة الواحدة تقتحمها المنظمات الأجنبية عنوة ليجعلوا أنسها وحشة وسلامها فتنة حتى يهلك سعد ولا ينجو سعيد. كانت دعوة الرئيس البشير منذ البداية واضحة لم تخرج من كونها دعوة للتفاكر والتسامح لإعلاء مصلحة الوطن على المصالح الحزبية الضيقة، دعوة يجلو فيها بلا استثناء للركب المضلل والقطيع الشارد ما درس وينفي ما غشى الحكم من أباطيل وتعهد بمحاسبة ما تثبت إدانته والمضي قدماً نحو أفق ارحب يجمع شتات القوم دونما فرز.. وباختصار شديد ووضوح تام أن الخلاف بين الحزب الحاكم والمعارضة فيه مدعاة لفتنة مبعثها سباق الكراسي والمناصب وشهوة الحكم. ودعوة الرئيس هي اللجوء إلى الحل الوسط الCompromise و (الكمبرمايز) هذه تعني أن يتنازل كل طرف للوصول للتسوية العادلة بالتراضي، هذا وإذا لم نتجرد من النظرة الضيقة وفجور الخصومة فإننا سندور في حلقة مفرغة ونقود البلاد إلى هاوية سحيقة لا يعرف مداها إلا الله. واقع الأمر أن للمعارضة مطلب منصف وعادل ومقبول، يجب على الحزب الحاكم مراعاته، وللمؤتمر الوطني موقف شرعي وديمقراطي ينبغي على المعارضة تقديره، ولن ينتظم العقد إلا بالتسامح والوفاق لاعلاء مصلحة الوطن وتحكيم العقل على العاطفة على المصالح الشخصية والخاصة ليلتئم الشمل. يتلخص مطلب المعارضة في تأجيل موعد الانتخابات ومنطقهم في ذلك: 1. غيابهم عن دولاب الحكم ربع قرن من الزمان. 2. خلال تلك الفترة فقدوا الكثير من كوادرهم المدربة والمؤهلة. 3. كما تم تقليص نشاطهم وتنظيماتهم لأسباب أمنية. 4. سيطرة منافسهم المؤتمر الوطني على كل الملفات. 5. منافسهم يملك المال والجاه ومفاصل الحكم. 6. ضيق ذات اليد. 7. الزمن المتبقي للانتخابات لا يمكنهم للتحرك لجمع التبرعات. أما المؤتمر الوطني فإن إصراره على عدم تبديل الحكومة الشرعية بحكومة انتقالية هو موقف سليم يفرضه تفويض الشعب له، لأن هذا يصح اذا الشعب ما زال قطيعاً من الماشية، أما إذا كان هذا القطيع أمة لكل فرد من أفرادها كرامة وإرادة ومصلحة فبأي منطق تلغي عقول الملايين الذين ادلوا بأصواتهم في الانتخابات؟ كيف يستكين شعب بأثره لرأي حزب أو جماعة، فالديمقراطية التي نتشدق بها هي أخلق النظم لكرامة الإنسان وسلامة العالم إذ بمقتضاها صار المواطن البسيط صاحب الحق في الوطن، وصاحب الرأي في التشريع، له صوت يسقط به الحكومة ويشكلها. صحيح كان زعيم القبيلة يختصر الدولة في راكوبته ويجمعها في قبيلته ثم يختصر القبيلة في نفسه وهو الآمر وصاحب الكلمة الأولى، أما الآن فلا وألف لا. كان واضحاً منذ البداية أن لهجة البشير هذه المرة تختلف في ديباجتها عن نهجه السلس البسيط المعهود في ايصال المعلومة للمواطن واضحة كلوح الشرافة، وهذه اللهجة الجديدة تؤكد بأن كانت للبشير بالفعل مفاجأة باهية أخفاها بين السطور في اللحظات الأخيرة وقال في نفسه (الله يكضب الشينة) فلتكن دعوتي اليوم بمثابة فرصة أخيرة للم الشمل وهي أشبه بوصية سيدنا عمر بن الخطاب الذي أوصى بقطع رؤوس من رغبوا عما اجمع عليه الناس بالسيف لاختيار من يخلفه للولاية قبل أن يسلم الروح إلى بارئها. كان قدرنا الذي يعود بنا دائماً للمربع الأول، تتقدم الأمم ونظل نحن مكانك سر، أنه عندما تنحرف الحكومة القومية عن مسارها يسطو الجيش عنوة واقتداراً أو بالتسليم والتسلم وانقاذ ما يمكن انقاذه، وبالمقابل عندما يستبد الحاكم العسكري يثور الشعب الاعزل وينزع الله الملك ممن يشاء. ينبغي على الحزب الحاكم تقدير مطلب المعارضة العادل وتمديد فترة الانتخابات لأي زمن يمكنهم من الاستعداد والنهوض بجدية لخوض معركة الانتخابات، وعلى المعارضة أن تعلم أنه لا بديل للديمقراطية إلا الديمقراطية، لا بحل الحكومة الشرعية والبديل الأفضل إذا ما تعنت الطرفان وتمترسا كلٌ في خندقه هو تشكيل حكومة تكنوقراط يجمع مجلس وزرائها بين الكفاءة والخبرة من الكهول والشباب، وإسناد حكم الولايات لحكام عسكريين، إذ ليس في الأمكان إرضاء كل إنسان.