٭ وأخيراً.. وبعد ما يقارب الشهر.. توقف العدوان على غزة.. سحب العدو قواته البرية من «غزةالمحتلة» إلى «فلسطينالمحتلة».. وعادت طائراته إلى مرابضها في أرض فلسطين التاريخية المسماة «اسرائيل» وسرّح بعض فرق الاحتياط التي استدعاها لتنفيذ المجازر والعدوان على الغزيين العزل والمحاصرين الذين وجدوا أنفسهم مرة أخرى على تقاطع النيران بين العدو الغاشم وأبناء شعبهم المقاومين. ٭ إنها هدنة مؤقتة لثلاثة أيام.. بدأت في الثامنة من صباح الاثنين.. استجابة للمبادرة المصرية وبعد مرور نحو ثلاثة اسابيع على طرحها من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.. الهدنة التي ووجهت ابتداءً برفض من قبل «حماس»، وقبول اسرائيل على سبيل «المناورة» بعد أن تأكد لديها أن حماس لن توافق.. وكان الثمن توسيع العدوان الاسرائيلي.. فعندما طرحت القاهرة مبادرتها لوقف اطلاق النار كان القتلى بالعشرات والجرحى بضع مئات وعندما تمت الموافقة المتأخرة من الطرفين ارتفعت اعداد الشهداء والمصابين إلى الآلاف، غير ما لحق بالعمران- سكناً ومنشآت عامة وبنى تحتية- من دمار قدرت اعادة اعماره بثلاثة مليار من الدولارات.. بينما لم يخسر العدوان الاسرائيلي سوى العشرات من جنوده المدججين بآخر إبداعات تكنولوجيا الحرب الأمريكية.. والذين تكشف جبنهم وخزيهم عندما التحم بهم المقاتلون الفلسطينيون في المواجهات الأرضية المباشرة والنادرة. ٭ فقد اكتمل الاثنين الوفد الفلسطيني الموحد بوصول ممثلي حماس و «الجهاد» القادمين من أرض المعركة عن طريق معبر رفح.. ليلتحقوا برفاقهم الذين جاؤوا إلى القاهرة من رام الله قبل عدة أيام.. كما وصل الوفد الاسرائيلي الذي ظل تشكيله طي الكتمان.. ويعتقد على نطاق واسع أنه بقيادة رئيس جهاز الأمن الداخلي الاسرائيلي «الشاباك» وربما ضم في عضويته ممثلين لاجهزة «الموساد» أو «أمان» ومسؤولين في القيادة العسكر.. ٭ المفاوضات، وفق المبادرة المصرية، ستكون «غير مباشرة»، أي أن المصريين سيستمعون من كل طرف وينقلون وجهة نظره واشتراطاته إلى الطرف الآخر.. كما من المتوقع أن تشارك الولاياتالمتحدة ودولاً أوروبية وبعض الدول العربية ذات الصلة كالأردن في متابعة المفاوضات ومراقبة مجرياتها عن كثب.. بحيث تتحول هدنة ال(27) ساعة إلى هدنة طويلة أو دائمة، مع الأمل بأن تفضي إلى استئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية (الرئيسية) حول ملف الحل الدائم «حل الدولتين».. وقد يتم استئناف تلك المفاوضات بالفعل، لكن النظر المتأمل في تاريخ تلك المفاوضات وتعثرها لا ينبيء بأنها ستنتهي إلى شيء أكثر من ضخ المزيد من «الكلام» والمزيد من التسويف والمماطلة.. فلا توازن القوى يسمح ولا النوايا الاسرائيلية المعلومة تقول باستعداد الكيان الصهيوني للقبول ب«الحل المرحلي».. ذلك الحل الذي تبنته منظمة التحرير منذ المؤتمر الوطني الفلسطيني في الجزائر.. والقاضي بتحرير الأرض المحتلة منذ حرب حزيران 7691 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية. ٭ الشروط التي يتبناها الوفد الفلسطيني «الموحد» الذي شكله الرئيس محمود عباس (أبو مازن) من مسؤولين فلسطينيين في الضفة وغزة تتمثل في رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر الواصلة إلى الضفة الغربية مع تعهدات وضمانات بعدم تكرار العدوان مع العقوبات والتعويض العادل.. فالحصار المضروب على غزة بلغ حد حساب السعرات الحرارية التي تُبقى الغزيين على قيد الحياة لا أكثر، ووضع قوائم اسرائيلية بالمحظورات وصلت إلى منع استيراد الاسمنت والحديد، بحجة استخدامه في بناء الانفاق. ٭ أن يأتي الفلسطينيون بوفد موحد يمثل منظمة التحرير الفلسطينية و«حكومة الوفاق الوطني»، التي لم يؤد أعضاؤها اليمين الدستوري.. بعد أن منعتهم اسرائيل اعضاؤها من حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى من التوجه إلى رام الله.. يعتبر هذا الوفد الموحد بمثابة انتصار للوحدة الوطنية الفلسطينية، واستفادة من جانب فصائل المقاومة من دروس السنوات الماضية، التي امضوها في الانقسام الجغرافي والبشري والسياسي بين سلطتي رام اللهوغزة، بما سهل على اسرائيل «البرطعة» و«البلطجة» بلا حساب أو عقاب. ٭ الخسائر البشرية والمادية التي خلفها العدوان في غزة أكبر من طاقة الفلسطينيين على تجاوز آثارها.. مما استدعى التفكير في عقد مؤتمر للمانحين لأعادة الاعمار، تصدرته النرويج.. مؤتمر أوسلو جديد.. نرجو الا ينتهي إلى ما انتهى إليه مؤتمر أوسلو (السوداني) بعد اتفاقية نيفاشا، الذي كان جعجعة بلا طحين أو وعوداً كمواعيد عرقوب. ٭ أما اسرائيل، التي أعلن زعيمها نتينياهو أن جيشه أنهى مهمته في «تدمير الانفاق» وتفكيك البنى التحتية العسكرية التي تنطق منها الصواريخ في غزة، استرضاء للشارع الاسرائيلي.. فهي تضع اشتراطات بأن تحصل على ضمانة دولية بعدم اعادة تسليح حماس وفصائل المقاومة في غزة، حتى توافق على تمديد الهدنة والسماح بإعادة الاعمار.. وهذا قد يكون مدخلها للاستعداد لدورة أخرى وصولة جديدة من البغي والعدوان.. الذي هو بعض طبائع الاستعمار- الاستيطاني ومقدسات العقيدة الصهيونية الآثمة. ٭ دعونا ننتظر لنرى.. وغداً لناظره قريب!