إثبات إنحياز السيد الصادق المهدي للخيار السلمي لا يحتاج إلى جهد كبير ، فقد ظل الإمام يوضح في كل مناسبة خطر خيار العنف الذي يقود إلى إنفلات أمني خطير في بلد توجد فيه عشرات التنظيمات المسلحة ، كما أن تجربة المهدي في يوليو 76 حين حاولت الجبهة الوطنية القضاء على نظام مايو بضربة عسكرية حاسمة لم تكن مشجعة ، فقد أفضت العملية إلى خسائر كبيرة وسط أنصار الإمام الذين شكلوا غالبية مقاتلي الجبهة، و كان لفشل العملية آثار سالبة على المسار السياسي للجبهة الوطنية أعادتها للوراء كثيراً ، و في النهاية سقطت مايو بعمل سياسي لا بغزو خارجي. هذه أسباب قوية لا تجعل الإمام يقدم على مغامرة العنف السياسي.. و عليه فإن قوله عن دفن الحوار في أحمد شرفي لا يعدو أن يكون من باب الضغط السياسي لإعادة الحوار بضمانات أقوى لا تجعل أبرز المحاورين تحت رحمة النظام، الذي قد يرسل رئيس أكبر الأحزاب المعارضة إلى السجن بتقديرات يحددها النظام الذي يفترض أن يكون طرفاً في الحوار ، و فوق ذلك ، يفترض أن يكون صاحب المسؤولية الأكبر تجاه الحوار و إنجاحه .. عند ذلك قد يبعث الإمام الحوار من أحمد شرفي، و لن يعدم الإمام تبريرات لبعث الحوار من أحمد شرفي أو أي مقابر اخرى ، و قد يقول إنه حوار جديد غير المدفون.أو إنه لم يقصد بدفن الحوار دفن الفكرة بل دفن ما تم من إجراءات و لجان مثل (7+7) و كل ما تبع خطاب الوثبة .. لكن قد لا تتهيأ معطيات جديدة تلبي تصورات الصادق لحوار جديد ، فالمؤتمر الوطني لم يدع للحوار من منطلق إيمان مبدئي بإشراك كافة القوي السياسية، بل محاولة منه لتخفيف ضغط الحكم الذي أصبح صعباً بعد إنفصال الجنوب.. وما ترتب عليه من آثار إقتصادية أبرزها تراجع نصيب السودان من النقد الأجنبي و تداعيات ذلك على مستوى المعيشة، و على خطط الحكومة في التنمية و الخدمات . فإذا أمكن لحزب المؤتمر الوطني عقد تحالفات جديدة تمكنه من تجاوز بعض هذه المطبات المستجدة، فقد يتجاوز الصادق المهدي .. و في جانب آخر قد لا يشكل إعلان باريس أي ضغط على الحكومة، بل قد تعتبره دليلاً على ضعف أصاب الجبهة الثورية بعد هزائم متكررة في الميدان ، فاضطرت لتتنازل،وظلت تترفع عنه في مراحل سابقة. والموضوع ذو جدلية مثيرة ، فقد تزعم الحكومة أن قوات الدعم السريع التي هاجمها الصادق المهدي هي التي أجبرت بأدائها العسكري الجبهة الثورية على الميل نحو الحل السلمي الذي جاء في إعلان باريس، وكأن الحكومة تريد من طرف خفي أن تطلب من الإمام شكر قوات التدخل السريع على الخدمة العظيمة التي أسدتها للإمام، و يمكن للحكومة أن تزعم أيضاً أنها كانت على حق حين إعتقلت الإمام الذي ينكر فضل قوات التدخل السريع على الحوار ..