القضايا المصيرية الكبيرة والأحداث العظيمة التي تمر بالشعوب والمجتمعات عبر المسيرة الإنسانية يتصدى لها قيادات استثنائية على مستوى التحديات, وعلى قدر الأحداث, أولو عزم من قيادات السياسة والفكر والقيادات الاجتماعية والعلماء والمفكرين الذين وضعوا بصماتهم في تاريخ الأمم والشعوب, وأضافوا لبنة في هرم التمدين والحضارة. إن بلادنا اليوم تمر بمرحلة عصيبة, وتواجه بامتحان تاريخي لم تمر به طيلة مسيرة تكوين الوطن والتحديات التي جابهته وتضحيات الأجداد السابقين في التحرر من العبودية التي ابتليت بها قارتنا الأفريقية, والنضال ضد الاحتلال والاستعمار والغزوات واصطراعات الممالك والسلطنات عبر الحقب التاريخية, كانت النتيجة سودان العزة بالمليون ميل, وبحدوده الجغرافية والإرث الجغرافي.. إن جيلنا الحالي لن يخذل التاريخ ولن يتراجع عن التحديات التي قد تنتج من مآلات الاستفتاء الذي يقدح في الهوية والكيان.. ولن يكون هذا الجيل جنحة على جبين التاريخ.. ولن يؤسس بالاستفتاء لبلاء وكوارث قادمة تعصف بالأمن والاستقرار, وتشقي الأجيال القادمة من أبناء السودان. الانفصال الذي يهون من أمره المغيبون والمنكفئون, ليس هو انفصال سيامي بين جسدين ملتصقين, لكنه تقطيع للأوردة والشرايين, وجدع لبعض من جسد واحد يسبب الإعاقة والموت, ودعاة الانفصال والمشائعين من المتنفذين, وحكام الثورة المسلحة في جنوب السودان و(الحردانين) من منابر الانفصال في شمال السودان, يؤسسون دعواهم على المعطيات المادية في عدم التعايش بين الطرفين, وتبديد الموارد نتيجة الاحتراب والاقتتال والتباين في اللغة واللون وغيرها, هذه النظرة تغيب الإرث العقائدي والحضاري.. فالانفصال لا يعلي من قيمة السلام أو التعايش إذا قرأنا الواقع قراءة جادة, وحاضرنا الآن هي بدايات لما سيحدث في السودان شماله وجنوبه, فالنزاعات المسلحة التي بدأت بقيادة اتور وغيره في أرض الجنوب, والتي تتوسع دائرتها حين تكون دولة فتنشب نار الصراعات القبلية في دولة الجنوب, وفي الجانب الآخر من دولة الشمال, هناك عدد من الحركات المسلحة اتخذت من ظلامات الجنوب وحربها ومكاسبها قدوة ومثالاً, تتطلع هذه الحركات سواء كانت في غرب السودان, أو دعاة المشورة الشعبية, أو الاحتجاجيين في شرق السودان, يتطلع كل هؤلاء إلي الوصول إلى نتائج تقرير المصير, فتنطلق بؤر التمزق في الشمال وهكذا يعصف الانفصال بكل مرامي السلام والاستقرار في السودان شماله وجنوبه. إن قرار الانفصال عن طريق الاستفتاء القادم, ليس هو قرار الشعب السوداني في الشمال أو الجنوب, بل فيه ملامح رغبة العالم الخارجي والدول الأجنبية في تقاطع مصالحها السياسية وأطماعها في الثروات, ورغبتها في الهيمنة والتمدد, فالجمهور المنوط به تقرير مصير السودان ممن يحق لهم التصويت, لا يملك حرية ووعي القرار, فهو يعاني من الهيمنة والقهر السياسي من الحكام, وهو يعاني من قضايا بنيوية, ففي السودان 46% من سكانه تحت خط الفقر, و62% من السودانيين يعانون من الأمية, و85% من السودانيين من سكان الريف والقرى والهامش البعيدين عن الإدراك والمعرفة العصرية, فهم يمتثلون للانفصال كرهاً أو امتثالاً لرغبات القيادات الأهلية والرسمية, وتتباين مواقفهم في رغبة الانفصال ما بين نزوة لجديد قادم (الدولة الجديدة), وما بين تنفس عن (غبينة) ومرارات الحرب الماضية, وهي في نهاية الأمر مواقف عاطفية لا تخضع للقراءة والعقلانية. إن المسؤولية التاريخية التي تتحملها الحكومة والرئيس عمر البشير, وتتحملها القوى السياسية السودانية قاطبة, والقيادات الاجتماعية والمفكرون والمستنيرون في الجنوب والشمال, والذين تأسس فكرهم على أن لا بديل لغير الوحدة الشاملة, وأن التنوع في الوطن وسيلة للقوة والنهضة لا ينبغي أن تكون أداء في تمزيق السودان استجابة لرغبات الدول الأجنبية والمتطلعين من دول الجوار, هذا الموقف يستدعي اصتطاف قوى الوحدة في الشمال والجنوب, لمواجهة التآمر على الوطن, آخذين حكمة رسولنا الكريم في وضع الحجر الأسود في الكعبة حين فرش رداءه وأتى من كل قبيلة برجل يأخذ بطرف الرداء. ولله الحمد،،،،،