ياسر العطا: فترة ما بعد الحرب تأسيسية بدون أي حاضنة سياسية    "العالم الإسلامي" تُعرِب عن بالغ قلقها جرّاء تصاعد التوترات العسكرية في شمال دارفور    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    ترقب لمفاوضات "الفرصة الأخيرة" و4 سيناريوهات معقدة    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنوب السودان جذور المشكلة وتداعيات الانفصال
نشر في سودان موشن يوم 25 - 12 - 2010

بات مصطلح تقسيم السودان متداولا بشكل بعيد عن المخاطر والتداعيات التي سوف تنجم عنه وكذلك تقسيم
العراق واليمن في وقت فقد فيه النظام الرسمي العربي قدرته في الحفاظ على تماسك ووحدة الدول العربية وتمسكه بالخطوط الحمر الأمريكية ودعمه في الغالب لكافة المخططات التي تستهدف وحدة وسلامة الدول العربية وكيانها وارثها التاريخي، لم يتمكن السودان منذ استقلاله من تحقيق الاستقرار السياسي نظرا لحجم الأطماع الغربية والأمريكية والمخططات الصهيونية التي تعصف به وتستنزف موارده البشرية والإستراتيجية، ولعل خاصرة الجنوب اللينة وتعاظم الاحتراب المسلح المدعوم من إسرائيل لم تعالج بشكل رصين يعتمد على مرتكزات السياسة الناعمة مما أشاع فكرة الانفصال وهذه الفكرة قاسم مشترك اليوم في العراق واليمن والسودان، كما أن كافة القوى السياسية السودانية في حالة تنافر وتصادم ولم ترتقي لتكون مصفوفة سياسية وطنية، وذهبت تلك القوى لتمزق السودان وفق رغبات حزبية بالظاهر وبالباطن تشكل زعانف لأجندات دولية وإقليمية كما هو حال العراق، ويلاحظ تصدع وحدة السودان بعدد دخوله دوامة من الحرب في كافة أوصاله الجنوب والشمال والشرق والغرب وهو مخطط التقسيم المنشود أربع دويلات انطلاقا من التقسيم العمودي أولا الشمال عن الجنوب... وأضحى السودان يمر بمرحلة خطيرة في تاريخه منذ استقلاله عام 1956 ويتجه نحو المجهول خصوصا بعد أن استخدمت القوى الخارجية نوازع السلطة والثروات والنزاع الديموغرافي وبأدوات سودانية والتي تسعى دوما لزعزعة استقرار السودان.
يُغفل ساسة التقسيم مخاطر وتداعيات الانفصال والتقسيم وافتقرت الحكومات السودانية المتعاقبة إلى نزع فتيل الانفصال كونه يتصف بالتنوع والتعدد والتي يفترض أن تكون مصدر قوة وطنية لا تهديم انفصالي، بالرغم من كونه متعدد الأعراق واللغات والثقافات والأديان مع كون الدين الاسلامى يعتنقه الغالبية العظمى من سكانه، كما أن أقاليمه الإدارية وبحدوده الجغرافية المعروفة تختلف بمياهها الطبيعية وتعدد مناخاتها وتتنوع مواردها الإحيائية والايكولوجية، فتوجد فيها المناخات الصحراوية ومناخات السافانا والمناخات الاستوائية، وكذلك تنوع مواردها المائية والطبيعية والمعدنية، غير أن المخططات "النيوامبريالية" لتفكيك السودان سياسيا وغزوه اقتصاديا عززت الاحتراب الطائفي والعرقي وإشاعة مفاهيم خاطئة عن ثقافة أهل الشمال وبتصوير المواطن الشمالي انه مستغل لأخيه الجنوبي – هذا من ناحية ومن ناحية أخرى عمد المستعمر على وضع حاجز بين الشمال والجنوب من خلال سياسة الاراضى المقفولة والتي صدرت في قانون المناطق المقفولة لعام 1922 .
أبعاد المخطط ألتقسيمي
تعصف بالسودان منحنيات خطيرة تقود دوما لاحتراب واقتتال وتنازع على السلطة تقود إلى تمزيق الدولة وتغليب الهويات الفرعية على الهوية الوطنية وقد وساهمت عدد من الدول العربية في شد الاطراف لأضعاف المركز بين تحالفات واتفاقات راعيها الأساسي جشع الشركات الأمريكية والمخطط الإسرائيلي لعزل جنوب السودان عن شماله تمهيدا لمراحل توسعية ليبرالية قادمة وهناك أكثر من بعد ساهم في الوضع الحالي وهو:
1- الهندسة السياسية للأحزاب السودانية
يفتقر السودان للهندسة السياسية والخروج بمصفوفة سياسية تحافظ على وحدة السودان وتعزز روح الدفاع الوطني عن وحدة السودان ويعلل البعض احتكار العمل السياسي من حزب السلطة وتوجهاته الدينية التي قد تكون احد الأسباب والعوامل المغذية لديمومة الاحتراب في ظل التنوع المجتمعي في السودان وبنفس يحاول الغرب المستعمر إذكاء احتراب الثروات وإخراجها من السيطرة الوطنية وفق نظرية تقاسم الثروة والسلطة كما جرى في العراق بعد الغزو تماما ويلاحظ عدم تجانس العقائد والأفكار السياسية للأحزاب في السودان ويفتقدون إلى بوصلة وطنية تحميهم من الولوج الناعم الذي يذكي الاحتراب السياسي ويمزق الدولة، إضافة إلى شخصنه الأحزاب وتكالب الحاشية المستفيدة التي تدير الصراع إلى مغانمها الشخصية وهذه علة السياسة العربية في الغالب، وبذلك يجري الاستئثار بالوظائف والسلطة وإقصاء الآخر والتحول إلى عمليات العنف السياسي والتي تلقي بظلالها على طبيعة المشهد السياسي مما يصعب على السلطة والحزب الحاكم استيعاب المخاطر والتحول نحو الإصلاح والتغيير وتوسيع المشاركة السياسية والتي تعمد على وحدة البلاد وتنميته وتعميم الرخاء الاجتماعي.
فشلت المسميات الحزبية في رسم السياسية السودانية ومعالجة تداعيات ومظاهر التصدع التي أفرزها المخطط الاستعماري الامبريالي وذهبت إلى الاحتراب وتعزيز منطق القوة غير الشرعي، ويعلم الجميع أن الجنوب السوداني هو غاية إستراتيجية إسرائيلية لم يتم معالجة جذورها وفق تقييم استراتيجي رصين ووضع حلول ناجعة تعزز الوحدة الوطنية، وكذلك هناك دارفور جائزة النفط للشركات الأمريكية التي تعمل على استعمارها بالوكالة وقد غمرتها فلسفة الاحتراب وإذكاء النزاعات وفق المنظور الامريكي للولوج إليها قد تصل إلى فصل هذه المنطقة عن السودان خصوصا بعد تدويل أحداثها ولم يكن هناك وحدة هدف للأحزاب السودانية في معالجتها، وكذلك هو الحال في شرق السودان، ولم نشهد لأي من المسميات الحزبية أي تكامل او قدرة على حل تلك التداعيات الخطيرة التي تهدد مصير السودان ..
2- المخططات الإستراتيجية والبعد الاستعماري
يشهد السودان منذ عقود هجمات امبريالية تسعى لاستعماره وتقسيمه إلى دويلات شركاتية من ناحية تحقق رغبات قراصنة العالم ومن ناحية أخرى تطبيق مخططات إسرائيلية تقسم السودان لأربع دويلات الغرض منها عزل مصر وتفكيكها والهيمنة على البحر الأحمر كميدان تواصل بحري والإحاطة بالخليج العربي من كتفه الغربي، وتوسيع اذرع الهيمنة والنفوذ الليبرالي، وهناك صراع أوروبي أمريكي يتجسد في السودان لتحقيق محميات جديدة بالقارة الإفريقية ويأتي السودان على رأس المناطق المستهدفة باعتباره جسر التواصل بين العالم العربي وأفريقيا ولا خلاف على أن القوى الغربية تعمل منذ زمن على فك ارتباط العرب بأفريقيا .
جنوب السودان صراع سياسي وعسكري نحو الانفصال
فصل جنوب السودان عن شماله يعد أولوية إستراتيجية ذات طابع استعماري بغية السيطرة عليه، وقد ساهمت بريطانيا وإسرائيل وبشكل حثيث في حث الجنوبيين على الانفصال بوصفه مطلباً سياسياً شعبياً من الجنوبيين خاصة ، ومنذ استقلال السودان عام 1953 وحصوله على حق تقرير المصير وحتى بعد انسحاب القوات البريطانية فقد تركت خلفها مشروع الانفصال للجنوبيين بدعوى حاجة الشعب الجنوبي للاستقلال ما حدا بهم للتمرد عام 1955 وبدأت قضية الصراع بين الشمال والجنوب وتصاعدت المواجهة عام 1962 بعد تشكيل حركة أنيانيا وبعد اتخاذ الشمال مجموعة من القرارات والإجراءات عام 1964 للحد من النشاط التبشيري المسيحي الغربي في الجنوب وقد تداخل الصراع السياسي مع الصراع العسكري بين الشمال والجنوب في محاولة لحل القضية بواسطة الحكومات السودانية المتعاقبة التي تمكنت من عقد العديد من الاتفاقيات مع الجنوبيين إلا أنها فشلت في الوصول إلى اتفاق يقبل به الطرفان خصوصا أن مشروع الجنوب هو مدعوم غربيا ولابد من قراءة الوضع الجيوسياسي للجنوب حيث يبلغ مساحة جنوب السودان حوالي 700 ألف كم2 ما يعادل 28% من المساحة الكلية للسودان البالغة 2.5 مليون كم2 وللجنوب حدود تمتد إلى 2000كم تقريباً مع خمس دول هي أثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وأفريقيا الوسطى ويقع الجنوب السوداني بين دائرتي عرض 3.30،ُُ10 شمالا وهو موقع مغلق لا يطل على أي سواحل بحرية، وتشكل المراعي 40% من الجنوب السوداني والأراضي الزراعية 30% بينما تشغل الغابات الطبيعية 23% والسطوح المائية 7% من جملة المساحة، ويكتسب جنوب السودان أهمية خاصة فيما يتعلق بالأمن القومي للسودان ويشارك في تأمين الحدود الجنوبية مع دول الجوار الجغرافي.
تسييس الدين وآليات فصل الجنوب
تمكنت الدوائر البريطانية الاستعمارية من تسييس الدين المسيحي في الجنوب وفي يناير 1929 وجه السكرتير الإداري لحكومة السودان تعليمات إلى مديري المديريات الجنوبية تضمنت الإجراءات التنفيذية للسياسة الهادفة لفصل الجنوب من خلال محورين .
أ‌. بناء سلسلة من الوحدات العنصرية أو القبلية ذات الهياكل والنظم القائمة على التمايز العنصري والديني على أن يتم ذلك بإبعاد الموظفين المتحدثين بالعربية حتى لو كانوا جنوبيين وجعل الإنجليزية لغة المكاتبات الرسمية بالنسبة للكتبة وجعلها لغة الأوامر العسكرية ... الخ - وحصر هجرة التجار الشماليين وتشجيع التجار الأجناب المسيحيين.
ب‌. تضمن وسائل قياس التقدم في تنفيذ السياسة المذكورة بإعداد جدول سنوي يوضح في جانب منع عدد المسلمين بالنسبة لمجموع موظفي الحكومة في الجنوب ثم عدد الموظفين البريطانيين الذين أجادوا تعلم اللغات المحلية يلي ذلك تطور عدد التجار الشماليين في الجنوب ثم عدد المدارس التنصيرية والأموال التي تنفقها الحكومة على التعليم .
أثناء الحرب العالمية الثانية وبعد إنشاء المجلس الاستشاري لشمال السودان طلب مدير المديرية الاستوائية إعادة النظر في السياسة المتبعة في الجنوب ، في حين أكد مدير المعارف من ذلك ما مؤداه أن سياسة الحكومة في جنوب قد أدت إلى تخلفه إذا ما قورن بالشمال وبعدها في عام 1944 في مذكرة وجهها الحاكم العام بالسودان للسفير البريطاني في القاهرة طالب بضرورة البحث في مصير الجنوب إما بالاندماج في الشمال أو الاندماج في شرق أفريقيا أو دمج بعضه في هذا الجانب ودمج البعض في الجانب الآخر .
- في عام 1946 وبعد إتباع سياسة السودنة تشكلت لجنة للنظر في إمكان تنفيذها في السودنة الجنوب وضعت تقريراً أدانت فيه بشدة سياسة الحكومة الجنوبية وطالبت بإلغاء تصاريح التجارة واتباع سياسة موحدة للتعليم في الشمال والجنوب وتعليم اللغة العربية في مدارس الجنوب وتحسين وسائل الاتصال بين الجانبين وتشجيع انتقال الموظفين بين الشمال والجنوب وتوحيد النظم بينهما الأمر الذي يتطلب البحث في الأسباب التي أدت إلى انقلاب في السياسة البريطانية تجاه جنوب السودان
فقد تم بعد عام 1948 تغير ملحوظ في السياسة التعليمية في الجنوب حيث اقيمت أول مدرسة ثانوية وتوقف إرسال طلاب المدارس العليا الجنوبيين إلى كلية أوغندا واستبدال ذلك بالذهاب إلى الخرطوم في نفس الوقت أقرت الجمعية التشريعية خطة السنوات الخمس للتعليم في الجنوب .
وكان هناك بعد ذلك ما ترتب على عقد اتفاقية فبراير 1953 بين مصر وبريطانيا لتقرير مصير السودانيين والتي ترتب عليها نتائج عكسية على الجنوب كان منها غضب الجنوبيين من انه لم يسمع أحد من المتفاوضين لمعرفة آرائهم ثم ما جرى في الانتخابات التي أعقبت المعاهدة من إسراف للوعود التي قطعت لهم سواء من جانب الأحزاب الشمالية أو من جانب المصريين وهي الوعود التي لم يتحقق منها شيء .
ووصلت الشكوك إلى ذروتها عندما بدأ الشماليون عام 1955 في إعادة تنظيم القوات العسكرية وتقرر نقل بعض مجموعات الفرقة الاستوائية إلى الشمال الأمر الذي اتهى بتمرد هؤلاء وهو التمرد الذي كان بداية لتفجر مشكلة الجنوب ثم تحولها بعد ذلك وتحت الحكم العسكري الذي حكم السودان منذ عام 1958 إلى ثورة واسعة وكانت بمثابة الحصاد المر للسياسة الاستعمارية في جنوب السودان .
حركات التمرد في جنوب السودان :
بدأت حركات التمرد الجنوبية ضد الشماليين والحكومة المركزية في أغسطس 1955 فى مدينة توريت ليصبح نواة لحركة انياينا "1" بمنطقة الاستوائية أي قبيل إعلان استقلال السودان الذي تم في الأول من يناير 1956 وكان سبب التمرد هو محاولة نقل الفرقة الجنوبية المتمردة من موطنها في الجنوب إلى الشمال.
حركة اناينا
وكانت حركة التمرد الثانية باسم انيانيا "2" في أول الستينيات أثناء حكم الفريق إبراهيم عبود الذي اتبع مركزية عسكرية قابضة في الإدارة وحاول أتباع سياسة تعليمية لأسلمه الجنوب وأبعد المبشرين الأجانب من جنوب السودان لتدخلهم في الأمور السياسية .
كان هدف حركة انياينا فصل الجنوب عن الشمال واستمر التمرد الذي قاده العقيد جوزيف لافو من أوائل الستينيات إلى عام 1972 حين عقد مع حكومة الرئيس نميري اتفاقية أديس ابابا التي أعطت الجنوب حكماً ذاتياً له حكومته الإقليمية وبرلمانة التشريعي وتوحدت مديرياته الثلاث تحت إدارة واحدة ومارس قدراً من الديموقراطية لم توجد في الشمال تحت حكم نميري العسكري .
الحركة الشعبية لتحرير السودان
وقام التمرد الثالث في مايو 1983 تحت مسمى الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق من أبناء الديبكا اكبر قبائل الجنوب بحجة انتهاك الرئيس نميري اتفاقية أديس ابابا حيث أصدر مرسوماً رئاسياً بتقسيم الجنوب إلى ثلاث مديريات وأعلن في سبتمبر 1983 تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية دون أن يستثنى منها الجنوب مما ادى الى سخط الجنوبيين وتعد الحركة الشعبية اقوى حركة جنوبية متمردة وقد تمكنت في بدايه التسعينات الاستيلاء على نحو 80% من مساحة الجنوب واحتلت بعض اجزاء في شمال السودان ومنها مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق ووجدت دعماً إقليمياً ودولياً ضد حكومة البشير واستطاعت أن تجذب مقاتلين معها من المناطق المهمة في الشمال فضلا عن بداية التنسيق مع القوى المعارضة في دارفور والشرق .
وكان جون قرنق يؤكد على اهداف الحركة الشعبية بقيام سودان جديد تحت نظام كونفدرإلى لا تسيطر عليه النخبة العربية الإسلامية التي حكمت السودان منذ الاستقلال وان كان هذا يتباين مع قواعد الحركة الشعبية التي كانت تميل إلى انفصال جنوب السودان .
وبعد مقتل جون قرنق ضعف التمسك بالوحدة لدى قيادات الحركة - وما زال هناك حركات أخرى جنوبية تعارض حكومة الخرطوم
حزب الأحرار الجنوبي :
تأسس عام 1954 بعد تكوين لجنة السودنة التي تقلت الإدارة المدنية من البريطانيين والمصريين إلى الوطنيين السودانيين وقد رفض هذا الحزب مشروع السودنة لأنه لم يضم أعضاء من جنوب السودان واعترض على مقرراته .
وكان حزب الأحرار المحرض الأساسي لأحداث دامية شهدها جنوب السودان ويعتبر البيت الذي خرجت منه كل الحركات الجنوبية المقاتلة وبدءا من عام 1955 توسع الحزب واستوعب في عضويته الكثير من المثقفين الجنوبيين على الاستقالة من الأحزاب الشمالية ومن أهم شخصيات الحزب إيوت ستالينو من لاتوكه شرق الاستوائية وعبد الرحمن سولي .
حزب سانو
بداية تأسيس الحزب كانت في عهد الرئيس إبراهيم عبود "1958-1964" التي اتجهت للحسم العسكري ونشر اللغة العربية والإسلام وكان من نتيجة ذلك إن هاجرت أعداداً من أبناء الجنوب إلى أوغندا وإثيوبيا وكينيا وكون المهاجرون رابطة المسيحيين السودانيين والاتحاد السوداني الأفريقي الوطني لجنوب السودان المعروف باسم ساكندو حيث كانت الكنائس تؤيد تلك الهيئات وتدعمها لمعارضة الحكم العسكري حتى عام 1963 وتولى وليام دينق سكرتارية حزب ساكندو الذي تغير اسمه عام 1963 إلى حزب سانو وكان نشاطه يقتصر على إرسال العرائض إلى منظمة الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة ومختلف المنظمات مستعرضاً لأحداث الجنوب وداعياً لمسعدة اللاجئين ومطالباً باستقلال جوب السودان
ولقد انقسم حزب سانو إلى جناحين أحدهما بقيادة وليم دينق وتميل أطروحاته إلى الوحدة والثاني بقيادة أقرى جادين وله ميول انفصاليه وقد تقلص حجم ونفوذ سانو في الجنوب ولم يعد له وجود محسوس في الشارع السياسي الآن .
اتفاقية نيفاشا عام 2005
عقدت اتفاقية نيفاشا في مستهل عام 2005 بعد أن وضعت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب أوزارها والتي دامت أكثر من عشرين عاماً.
وحظيت اتفاقية نيفاشا بتأييد كبير من كل القوى السياسية في الشمال والجنوب رغم أنها كانت ثنائية بين المؤتمر الوطني "الحزب الحاكم" والحركة الشعبية وتم اقتسام السلطة على المستوى الاتحادي والإقليمي لمصلحة الحزبين ولعل السبب في ذلك التأييد هو إيقاف الحرب الدامية بين الشمال والجنوب وأن الاتفاقية كانت شاملة لكافة القضايا المتنازع عليها بين طرفي الوطن.
وتتمثل أهم معالم الاتفاقية في - إعطاء أهل الجنوب حق تقرير المصير بنهاية الفترة الانتقالية في 2011 - وتمكين الحركة الشعبية من السيطرة تماماً على إدارة الولايات الجنوبية خلال الفترة الانتقالية2005/2011 begin_of_the_skype_highlighting 2005/2011 end_of_the_skype_highlighting - ومشاركة أبناء الجنوب في الحكومة الاتحادية بنسبة 28% وفي الاتحاد جنوب كردفان النيل الأزرق الشماليتين بنسبة 45% لأن بعض أبناءها كانوا قد حاربوا مع الحركة الشعبية - إضافة إلى احتفاظ الحركة الشعبية بمليشياتها المقاتلة إبان الفترة الانتقالية - وخروج القوات المسلحة من حدود جنوب السودان - اقتسام عائدات البترول من الحقول الموجودة في الجنوب مناصفة بين حكومة الجنوب والحكومة المركزية -واستثناء الجنوب من تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية وكذلك أبناء الجنوب غير المسلمين في العاصمة القومية وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب ونجده يطابق إجراءات فصل شمال العراق كإقليم او دويلة.
أسباب مشكلة الجنوب
يرجع أسباب استمرار المشكلة إلى أسباب تعود إلى قصور التنظيمات السياسية في طرحها ودون برامج ولا أهداف والتناقض بين أهداف التنظيمات السياسية الداعية إلى تطبيق مبادئ التعددية والديمقراطية السياسية والتي تتحالف مع الحركة الشعبية بالرغم من أن هذه الحركة لا تؤمن أصلا بهذه التعددية السياسية ولا تلتزم بالحقوق المدنية.
بينما يرى أحد سفراء ألمانيا السابقين في السودان أن هناك خلافاً في الأبعاد الثقافية التي تشكل محور التباين بين الشمال والجنوب وهي النظرة للأسرة والمفاهيم الدينية للدولة والإرث الحضاري في البعد التنظيمي والإداري – وهذا التباين فصله على النحو التالي :
تطويع الثقافات الهجينة التي رسخها الاستعمار وعززها عبر التسييس الديني وإلحاق المجتمع السوداني بثقافة هجينة غالبا ما يضعها المستعمر لتحقيق اللبنة الأساسية في الاختلاف والخلاف المجتمعي والتركيز على التباين بين عادات المجتمع العربي والإسلامي والغربي.
ومن الثابت أن البعد الثقافي يعتبر أمراً مهما ً في تشكيل الوحدة الوطنية والانصهار الاجتماعي وهو الحاجز الذي وضعه الاستعمار حتى يباعد بين الشمال والجنوب.
كما أن ورش العمل الغربية والإسرائيلية التي تشكل مرتكزات اتخاذ القرار السياسي أو على الأقل تكييفه ويرى بعض السياسيين أن الأحزاب والفعاليات والسياسة التي تعاقبت على حكم السودان عجزت عن معالجة أوضاع البلاد وتركت قضية الجنوب بدون حل ناجع وأن قصور التنظيمات السياسية امتد ليشمل الفشل في معالجة مشكلات السودان الرئيسية خاصة قضايا التنمية وبسط الحريات وتحقيق العدالة الاجتماعية ولم تحزم هذه التنظيمات أمر السودان وتسير وفق برنامج وطني، بل تركت الحبل على الغارب ووجد الأعداء والمخططات الأجنبية الفرصة سانحة لتفكيك أوصال البلاد وتوجيه مسارها وهناك من لجأ إلى الأجنبي للتدخل في حل قضايا السودان وهنا جوهر المعضلة.
تداعيات الانفصال
1- تفتيت السودان حيث أن انفصال الجنوب سيؤدي إلى تصعيد بعض النزاعات المسلحة الموجودة بالفعل في السودان ومطالبتها بالانفصال حيث أن نجاح الجنوب في الانفصال سيزيد من جرأة أقاليم أخرى لتنتهج مسار الجنوب ويساعدها على ذلك هشاشة الوضع في السودان .
2- حدوث اضطرابات داخلية في الشمال قد تعطي لبعض القوى حافزا لتصعيد الصراع مع الخرطوم أو استخدام ذلك كورقة ضبط لتحقيق مكاسب أكبر.
3. الأمر لن يتوقف عند فصل الجنوب بل أربع دول فيما كان يسمى بالسودان "الجنوب / الغرب" دارفور وكردافان" الشمال / الشرق.
4- تشير الدلائل تشير إلى عدم توافر عناصر الاستقرار في الجنوب حال الانفصال وهذا لأسباب قد يختلف بشأنها ... وأهم هذه الأسباب التعدد العرقي في جنوب السودان وقد يدفع بوتيرة النعرات العراقية ويقوى من دعاوي أفضلية عرق على آخر قد تدفع بالجنوب إلى الاقتتال خاصة إذا نجح عرق بعينه من الاستئثار بالسلطة والثروة على حساب باقي الأعراق وهو أمر وارد في السودان وبدت ملامحه في الظهور في شكل قيام بعض القبائل المهشمة في حمل السلاح في مواجهة أبناء القبائل المسيطرة "الدينكا / النوير / الشلك " .
5- وجود قوى معارضة مناوئة على خطوط التماس مع الجنوب كجيش الرب الذي يحارب نظام موسيغيى في أوغندا فضلا عن شرادم معارضة في شمال كينيا وشرق أفريقيا الوسطى بخلاف حالة الاستقرار الذي تشهده الكونغو وهذا يعني أن الدولة الوليدة ستكون في قلب صراعات لن تنتهي .
6- تعاظم الفساد كونه مسشتر في بعض قيادات الحركة
7- محاولة قيادات الحركة الاستئثار بالسلطة باعتبارها طليعة النضال ضد تسلط الشمال مما يوغر صدر القبائل الأخرى ضدها وهو أحد الأسباب التي لطالما ركز عليها قادة الحركة الشعبية في مواجهة القيادات الشمالية.
8- ضعف البني التحتية في الجنوب وعدم توافر ما يسمى برأس المال الاجتماعي "مستشفيات مدارس طرق شبكات مياه وصرف خطوط كهربائية".
9- ارتفاع تكلفة المبادلات الخارجية نظراً لأن الجنوب السوداني من المناطق المغلقة التي لا تطل على موانىء بحرية يمكن من خلال تصدير المنتجات خاصة البترول والمواد الأولية أو استيراد احتياجات الدولة من السلع والمواد الغذائية والمصنوعة والمعدات ووسائل النقل.
10- الافتقار إلى الكوادر الفنية اللازمة لمواجهة احتياجات بناء الدولة "مدرسون / أطباء / صيادلة الخ" وهل تستطيع الدولة الوليدة في حالة الانفصال توفير فرص العمل لابنائها العاملين في الشمال في ظل وجود بطالة بينهم حتى في مدن الجنوب.
11- الصراع بين الديبكا وبين الشلك والنوير قد يؤدي تماما بالدولة الوليدة فى حالة نشوب نزاع عرقي في هذه الجماعات فضلاً عما يقال أن الجنوب يعاني من تصاعد دور الفصائل المسلحة .
12. ووفقاً لتقديرات غير رسمية هناك 40 فصيلاً مسلحاً بالجنوب تتفاوت درجات تسليحه ويشار إلى أن جميعها قامت على أساس إثني " عرقي" [8] .
غرب السودان - منطقة أبيى
تقع أبيى غرب منطقة كردفان في السودان وتحدها شمالا المناطق التي تسكنها قبيلة المسيرية وجنوباً بحر العرب القريب منها ويعيش فيها مزيج من القبائل الأفريقية مثل الدينكا والعربية مثل المسيرية والرزيقات ويدعى كل طرف سيادته التاريخية على المنطقة ويصف الآخرين بالغرباء.
وتعتبر منطقة تداخل بين قبيلة المسيرية الشمالية وقبيلة الدينكا الجنوبية التي ينتمي إليها زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق وهو تداخل يعود تاريخه إلى منتصف القرن الثامن الثمن عشر.
وقد ظلت المنطقة تتبع إدارياً المناطق الشمالية لكنها تحولت الآن إلى منطقة نزاع بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية التي تريد ضمها إلى الجنوب.
وتقول وجهة نظر الحكومة إن أبيي هي منطقة تمازج بين القبائل العربية والأفريقية نافية كونها خالصة لطرف دون الثاني.
أما الحركة الشعبية لتحرير السودان فتقول إن أبيى كانت تابعة للجنوب قبل سنة 1905 ولكنها ضمنت من قبل الحاكم العام البريطاني لشمال مديرية كردفان بقرار إداري وتطالب بإعادتها إلى الجنوب.
تضيف الحركة لوجهة نظرها أن العلاقة بين مجموعة الدينكا والعرب عرفت تغييراً في فترة الرئيس السابق إبراهيم عبود في تلك المنطقة حيث حاول عبود إنهاء مشكلة الجنوب عبر العمل العسكري إضافة إلى جهود الأسلمة والتعريب هناك وحينها بدأ عدد من أبناء دينكا أبيي في الالتحاق بالحركات المسلحة الجنوبية .
ويتلخص نزاع منطقة أبيي التي تحتضن أكثر من 70% من النفط السوداني المنتج الآن في أن الشماليين ممثلين في حزب المؤتمر الوطني وقبيلة المسيرية العربية من أكبر قبائل المنطقة يعتقدون أن المنطقة تتبع للشمال كما هي الآن غير أن الجنوبيين الحركة الشعبية ومن ورائها قبيلة " دينكا نقوك" - يرون أن المنطقة تتبع للجنوب وضمها إلى الشمال تم بقرار إداري غير سليم من السلطات الاستعمارية الانجليزية في خمسينات القرن الماضي.
وظل هذا الصراع يعلو ويهبط على ساحة الأحداث السودانية منذ عام 1955 أي منذ بروز الإشارات الأولى للصراع السياسي الذي تطور إلى صراع مسلح فيما بعد بين الشماليين والجنوبيين ولكن كل محاولات حل قضية جنوب السودان منذ تفجرها مع بداية إعلان الاستقلال تحاشت الخوض في قضية أبيي من : مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965 إلى بيان 9 يونيو "حزيران" عام 1969 إلى اتفاق أديس ابابا عام 1970 إلى اتفاق كوكادام عام 1988 إلى اتفاق " الميرغني قرنق" عام 1989 وحسب المراقبين فإن النزاع يتسم بحساسية عالية ويأخذ طابعا "كشميريا" نسبة إلى نزاع كشمير بين الهند وباكستان ويثور في الوقت الراهن جدلاً محتوماً بين الأطراف حيث لا يرغب الجنوبيون في تصويت المسيرية على مستقبل المنطقة في حين يصر حزب المؤتمر الحاكم على ضرورة أن يصوت المسيرية ولهم حق إبداء الرأي .
جبال النوبة :
وهي مناطق ذات أغلبية سكانية أفريقية وتنشط فيها الكنائس المسيحية التي شهدت تمرداً عسكرياً على حكومة الخرطوم عام 1987 إلى أن استقر بها الوضع بعد التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار بين حكومة السودان والحركة الشعبية بجنيف في يناير / كانون الثاني 2002 خضعت بعده المنطقة لإدارة ثلاثية مشتركة بين الحكومة والحركة وممثلين لبعثة الدول العربية ، مع وجود رقابة دولية عسكرية على اتفاق وقف إطلاق النار.
النيل الأزرق :
منطقة النيل الأزرق هي الضلع الثالث في مثلث الأزمة والتي تسيطر الحركة على بعض مناطقها ويوجد عدد من أبنائها ضمن صفوفها وقد الحقت بجبال النوبة وآبيي لاعتبارات داخلية متعلقة بالحركة التي تقترح بأن تدار جبال النوبة والنيل الأزرق بواسطة رئاسة الجمهورية وتوضعاً تحت إدارة نائب الرئيس الذي هو رئيس حكومة الإقليم الجنوبي .
وتتمسك الحركة الشعبية بمعاملة المناطق الثلاث "أبيي وجبال النوبة والنيل الأزرق" بشكل مواز للجنوب، وترى أن ثدار تلك المناطق على نمط مشابه لإدارة الجنوب بحيث تستثني من تطبيق الشريعة الإسلامية .
ورغم أن الحكومة رفضت مبدأ التفاوض حول المناطق الثلاث تحت مظلة الإيغاد المعنية في الأصل بإحلال السلام في جنوب السودان فقط لكنها عادت وتراجعت عن ذلك الموقف وفق منطق إنها لا تمانع في التداول حول هذه المناطق باعتبار أن المشاكل والمظالم التي تعاني منها مماثلة تماماً لمناطق أخرى بعضها على بعضه كيلو مترات من العاصمة الخرطوم.
والحرج الذي تقع فيه الحركة الشعبية وهي تقتصر اهتمامها التفاوضي في الجنوب والمناطق الثلاث هو انها تطرح نفسها كحركة قومية يريد التحول إلى حزب سياسي بينما تبني مطالبها على تحقيق مكاسب لجهات ومناطق محددة ويكون الرابط الإثني هو الناظم المركزي لعلاماتها الأمر الذي قد يثير عليها غضب واستياء جهات ترى نفسها خارج اطروحات الحركة التفاوضية بل إن مآلات التفاوض لا تسير في اتجاه مصالحها إن لم تكن تسير ضدها رغم أن الحركة حاولت أن تتدبر لذلك بمد حبال الصلة مع المجموعات المتمردة بولاية دار فور وتحتفظ لنفسها بصلات معقولة مع مجموعات شرق السودان .
تأثير قيام دولة الجنوب على الصين وآسيا
الصين وماليزيا والهند تحديداً باعتبارها دولا تملك استثمارات ضخمة في صناعة النفط في السودان خاصة الجنوب ستكون اكثر الدول تضررا حال الانفصال وسوف تسعى هذه الدول التي تبني موقفا محايدا بين دولتي شمال وجنوب السودان حفاظاً على مصالحها الاقتصادية خاصة وأن هذه الدول ليست لها اجندة سياسية في دعم طرف على حساب الآخر ومن المتوقع أن تواصل هذه الدول مساندتها لشمال السودان على المستوى الدبلوماسي والسياسي أما على المستوى الاقتصادي فمن المرجح أن تتراجع استثمارات هذه الدول في السودان بسبب الاضطرابات السياسية والأمنية والتي قد تنتج عن الانفصال العدائي.
أما العلاقات مع الدول العربية والإسلامية فإن الكاتب يرى أن الانفصال العدائي لجنوب السودان سيؤدي إلى تعاطف الشعوب والحكومات العربية والإسلامية مع شمال السودان وذلك كرد فعل للتأييد التي ستجده دولة جنوب السودان من الدول الغربية وإسرائيل وفي رأيي أن هناك بوادر عدم ثقة وريبة وشك بين العالمين العربي والإسلامي من جهة والعالم الغربي من الجهة الأخرى كنتيجة للدور الذي يلعبه الغرب في انفصال الجنوب ويعيد ذلك إلى الأذهان مواقف الغرب اعتباراً من المسألة الشرقية واتفاقية سايكس بيكو وسان ريمون وغيرها من المواقف التى يتخذها الغرب ضد العرب والمسلمين .. إلخ من المتوقع أن يجد شمال السودان دعماً وتأييداً من الرأي العام ووسائل الإعلام العربية والإسلامية باعتبار ان الدولة الجديدة في جنوب السودان ستكون دولة مدعومة من الدول والجماعات السياسية الغربية واسرائيل.
أما الدكتور آدم محمد أحمد في دراسته بعنوان الآثار السلبية" المترتبة على انفصال جنوب السودان فيرى أن أولى تلك المشكلات هي تفتيت السودان حيث يرى المراقبون أن انفصال الجنوب قد يؤدي إلى تصعيد بعض النزاعات المسلحة الموجودة بالفعل في السودان ومطالبتها بالانفصال وفي أحيان كثيرة كانت تلك الأقاليم التي تحتضن تلك النزاعات ترفع راية العصيان وتلوح بالانفصال في وجه الخرطوم لتلبية مطالب محددة إلا أن الوضع بعد الانفصال سيزيد من جرأة تلك الأقاليم بشكل كبير بحيث تنتهج مسار الجنوب ويساعدها على هذا هشاشة الوضع في السودان حال تحقق الانفصال.
ويعد ترسيم الحدود من الملفات الخطيرة التي يتوقع تفجرها عقب الانفصال فهناك ثلاث مناطق لم يتم الاتفاق عليها حتىالآن هي: أبيي ، النيل الأزرق، وجنوب كردفان التي لا تزال في وضع نزاع ويمكن تعقيداً هذا الملف في كون تلك الأقاليم مناطق ثروات معدنية "سبق الإشارة إلى ذلك في الدراسة".
الأمن القومي المصري وانفصال الجنوب
المخاوف المصرية من انفصال الجنوب وتأثير ذلك في حصتها من مياه النيل يرى البعض أنها تعتبر مخاوف غير مدروسة لأن الجنوب ليس في حاجة إلى مياه النيل التي يتشاجرون عليها كما يرى سلفاكير في حديثه للصحافة المصرية عقب انتخابه رئيساً لحكومة جنوب السودان ولكن تلك التصريحات لم تكن كافية لطمأنة القاهرة والخرطوم ولا سيما مع التحركات التي تقوم بها دول المنبع لتحجيم حصة مصر والسودان.
وهنا يرى الدكتور محمد الفايز محمد النور الاستاذ بجامعة أفريقيا العالمية في حال انفصال جنوب السودان فإن موقف مصر سيكون أشد تعقيداً ويشير إلى أن جنوب السودان لديه صلات قوية مع دول المنبع التي ترتبط بدورها مع جهات أخرى ومن المتوقع أن ينضم الجنوب إلى تلك الدول ما يزيد من سوء الوضع بالنسبة لمصر إضافة إلى أن مصر ليست لديها خيارات إلا مياه النيل في حين يمتلك شمال السودان كميات ضخمة من المياه الجوفية إضافة إلى مياه الأمطار.
وتجددت المخاوف مع تصريحات الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان بأن الجنوب سيكون الدولة ال 11 في حوض النيل وهو ما يستلزم إعادة توزيع حصص المياه في ضوء الواقع الجديد بحسب طرحه وذهب إلى حد المطالبة بتعديل اتفاقية حوض النيل استعداداً لانضمامه دوله جديدة عقب إعلان نتيجة الاستفتاء وحذر من مغبة عدم التعامل مع جنوب السودان كدولة فيما يتعلق بقضية مياه النيل.
أعود إلى وضع الدولة الوليدة والتي أرى انها ستكون تحت ضغط الصراعات الداخلية بين القبائل االمتناحرة التي جمعتها رغبة الانتقام من الشمال ثم نبدأ بعد ذلك تفكر في حقها من الموارد وحظها من الثروة والسلطة ثم مناطق النفوذ ... فضلاً عن الخلافات التي ربما تنشأ بين أبناء الشمال المقيمون في الجنوب أو بين القبائل العربية المتداخلة في مناطق ما زال هناك اختلافاً بشأنها ثم الحركات الناشطة التي ربما تسير على الطريق الذي سلكته الحركة الشعبية ضد حكومة المركز ومن المؤكدات ان بظل الجنوب في حالة توتر ونزاع داخلي بين كافة الأعراق فضلا عن الحركات الانفصالية التي تنطلق من داخله ضد نظم لحكم في الدول المجاورة وسيظل الجنوب أخطر على الجنوب من أي خطر محتمل من الشمال .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.