رغم ضيق الزمن وحتى التاريخ المحدد للاستفتاء حول وحدة السودان في الثلث الأول من يناير القادم، ورغم تصاعد وتيرة المؤشرات التي ترجح خيار الانفصال للإخوة في جنوب السودان، ورغم اللقاءات والتنويرات بقضايا ما بعد الانفصال بين دولتي الشمال والجنوب، رغم كل هذه الردة فإن ثمة أمل يزداد اتساعاً في أن يبقى السودان وطناً واحداً لكل شعبه. ليس الذي نذهب إليه من الأماني الحالمة والمستحيلة، فتاريخ شعب السودان مليء بإبداعات الشعب في لحظات التضحية وكرامة الوطن، ابتداءً من تاريخ التكوين في تجميع الممالك والسلطنات والتي ارتبطت بعلاقات ومصالح متبادلة وتمازجت ثقافاتها بالمدافعة والتعايش، وظل الوطن حتى ترسيم حدوده السياسية بعد الحرب العالمية الأولى ينمو ولا يتقزم. وأن الإبداع المنتظر في الشهور القليلة القادمة لتأكيد وحدة السودان يؤكده عدد من القرائن في مقدمتها أن الإرادة السياسية للنخبة في الشمال والجنوب متجهة نحو إيجاد وسائل متقدمة لبقاء السودان موحداً، فالقيادات السياسية في الجانبين ومن خلال البحث عن المسائل العالقة في اتفاق نيفاشا وموضوعات ما بعد الاستفتاء أو ما بعد الانفصال، ظهر حجم الكارثة التاريخية في تمزيق الوطن ولابد أن يكون هناك حوار مرتكز على الوحدة والوصول إلى تطوير وإعادة النظر في الاتفاقية بين الطرفين كما أشار إلي ذلك رئيس الجمهورية في خطابه أمام المجلس الوطني في دورته الحالية، وأن ثمة مشروعات يمكن أن تؤدي إلى اتفاق سياسي إذا تناولها الطرفان. أول هذه المشروعات طرح نظام الحكم في طاولة البحث، وتقديم خيار الكنفدرالية بديلاً عن الانفصال، وتطوير النظام إلى نظام الولايات (States) كتجربة الولاياتالمتحدة المريكية في إعطاء الجنوب مزيداً من الصلاحيات السياسية والإدارية في مجال الثروة خاصة النفطية وإدارة الموارد، مع الإبقاء على مركزية العلاقات الخارجية للسودان والنقد والقضاء والقوات المسلحة وبمشاركة نسبية مع الجنوب. أشرنا إلى أن القوى الداخلية خاصة الشريكين الموقعين على الاتفاقية، قد ازدادت اتفاقيتهما بحتمية الإبقاء على وحدة الوطن، وأشرنا في مقالاتنا إلى أن الانفصال ليس خيار الشعب السوداني شماله وجنوبه، إنما هو رغبة المجتمع الدولي ممثلاً في الدول الأوربية الكبرى وعدد من دول الجوار، وبتسليط الضوء على موقف بعض دول الجوار الأفريقي الداعية لانفصال الجنوب مثل يوغندا وكينيا الشريكتين في الحدود الجغرافية مع جنوب السودان، فإن موقفهما يشير إلي مكايدة سياسية ولا يخضع إلى الرؤية العلمية العميقة، فالانفصال وقيام دولة بالجنوب يحقق بعضاً من أطماعهما التجارية والاقتصادية في موارد الجنوب، وغابت عنهما الأوضاع الهشة في كل منهما في أوضاعهما الداخلية وعلاقاتهما مع بعض دول الجوار التي حتماً تؤدي إلى تحريك القلق والمشاكل، وسوف يقود انفصال الجنوب وقيام دولة في وسط أفريقيا إلى مزيد من المعاناة في دول القارة خاصة دول الجوار، فكل دولة تعاني من جنوب وشمال، ومن هوتو وتوتسي وأطماع في الموارد المائية والطبيعية، والمخرج لدول أفريقيا ودول الجوار هو العمل على إبقاء وحدة السودان وأن تساهم في تحقيق التعايش بين مكوناته السكانية حفاظاً على الاستقرار في المنطقة. أما المجتمع الدولي الذي يمثل الضلع الثالث في قضية السودان، فإن مواقفه الداعمة لقيام دولة في الجنوب ناشيء من موقف سياسي حول النظام الإسلامي في السودان، ويرى في قيام دولة الجنوب إضعاف لهذا النظام وحرمانه من الموارد البترولية، وفي ذات الوقت تقوم هذه الدول بإشعال النزاعات في الشمال بعد فصل الجنوب لتحقيق رغبتها في القضاء على النظام القائم. إن هذا الموقف يجعلها تدفع ثمناً باهظاً بدعمها للانفصال، وذلك لإلهاب الوعي الشعبي الأفريقي في رفض الهيمنة والتحكم في إرادة شعوبها، وستواصل أفريقيا سعيها للاستعانة بالدول الناهضة للحصول على العون الفني والتكنولوجي، أيضاً ينعكس الانفصال في إضعاف قبضة الدول الغربية على دول أفريقيا التي تدور في فلكها نتيجة للأوضاع غير المستقرة التي سوف تحدث في المنطقة لقيام دولة في جنوب السودان، مما يدفعها لتقديم مزيد من الدعم المادي واللوجستي وربما العسكري، على حساب رفاهية شعوبها ودافع الضرائب في أمريكيا وبعض الدول الأوربية. ولله الحمد،،،