مرض الإيبولا والذي انتشر في غرب أفريقيا (غينيا، سيراليون، ولايبريا ثم نيجيريا) غيّر أسس التعامل الدولي الحضاري، فوقفت معظم رحلات الطيران من وإلى البلاد المنكوبة، ورفضت دولة ساحل العاج دخول 400 مواطن من مواطنيها إلى وطنهم قادمين من لايبريا. وقد أحدث الوباء الفيروسي القاتل موجة من الذعر والخوف انعكست على سلوك المواطن في غرب أفريقيا، ففي اجتماع لهيئة الصحة ببوروكينا فاسو وفي مبانيها تغير سلوك استقبال الخبراء مع إرشادات بعدم السلام الحميمي بالعناق أو حتى بالأيدي وتوزعت قنينات الكحول المطهر لغسل الأيدي قبل وأثناء الاجتماعات. تغيب عن الاجتماع الذي حضرته (في واقادوقو 7 - 13 / 9) بعض الخبراء من سيراليون والمناطق المتأثرة. لم يشهد العالم مثل هذا الوباء القاتل في التاريخ القريب وقد تفاجأت هيئة الصحة العالمية بحجم الوباء وشراسة الفيروس من السلالة الزائرية الفتاكة. فيروس إيبولا فيروس حيواني يعيش في حيوانات الغابات كالشمبانزي، وقد اعتاد أن ينتقل من هذه الحيوانات إلى الإنسان في أوقات الحروب الأهلية لوجود المقاتلين في الغابات كما حدث في جنوب السودان عام 1976 (وباء انزارا)، وكما حدث في شمال يوغندا (حرب جيش اللورد)، وفي زائير (الكنغو الديمقراطي) وكلها مناطق كانت تشهد حروباً أهلية وانحصر فيها خطر الوباء، ورغم أن نسبة الوفيات كانت عالية إلا أن أعداد المتوفين كانت قليلة لا تتعدى الخمسمائة شخص في مجملها، أما الوباء الغيني في غرب أفريقيا سجل معدلات لم يعرفها العالم، إذ توفي أكثر من قرابة الألفي (2280) شخصاً حتى تاريخه في نسبة فاقت ال (60%) من مجموع المرضى المسجلين. شراسة الفيروس في سرعة انتقاله من المرضى للأصحاء وأن كل السوائل البشرية تحمل كميات هائلة من الفيروس وأن الميكروب لا يموت بموت المرض، بل يظل حياً بقوته الكاملة ليومين بعد وفاة فريسته، ويبقى في السائل المنوي لمدة أسبوعين بعد شفاء المريض (إذا شفي) ويمكن أن ينتقل عبر العلاقة الزوجية. ليس هنالك تطعيم أو علاج لهذا المرض مما يحصر الطبيب في علاج المضاعفات، نظافة المريض وغذائه وعلاج حالة النزيف والغيبوبة بمساعدات من السوائل ومكونات الدم المختلفة. وقد سجلت هيئة الصحة العالمية وفاة أكثر من 150 من الكوادر الطبية.. وقد كانت لوفاة اثنين من أميز الأطباء في سيراليون الدكتور الشيخ عمر خان، وصمويل برسبا واثنين من المتطوعين الأمريكيين وبعض أطباء الإرساليات أثر نفسي سلبي في جميع العاملين في البلاد المنكوبة وعزوف كثير من الكوادر الطبية عن العمل هنالك، وقد ناشدت هيئة الصحة العالمية دول العالم بأن ترسل متبرعين للعمل لإنقاذ المرضى وحصر الوباء، واستجابت كوبا بإرسال 120 من كوادرها الطبية وهو أكبر عدد يصل من أي بلد خارج المنطقة. المعروف أن العاملين في الحقل الصحي والذين يعتنون بهؤلاء المرضى يلبسون يونيوفورم واقي وهو الذي استعمله رواد الفضاء، وللأسف فإن تعامل الطبيب مع المريض عبر هذا اللباس يحرم المريض والطبيب من العلاقة الإنسانية التي تنمو بينهما، هذا مع علم المرضى بأنه ليس من علاج داخل المستشفيات، ففضل كثيرون الاختفاء في قراهم وحول ذويهم مما ينذر بانتشار أكبر للوباء. غسيل الموتى والذي يشترك فيه عدد مقدر من ذويهم يلقي بمخاطر كبيرة ويسهل انتقال الفيروس إلى الأصحاء وحتى وضع الميت في تابوت خشبي لا يمنع تسرب الفيروس مما حدا بالهيئة الصحية أن ترشد كيف تقفل التواتبيت بصورة تامة بلجام لا يتسرب منه الفيروس، ولعله من الأوجب إصدار فتوى للمسلمين بكيفية التعامل مع الجثامين المصابة وكيفية دفنها (أو التخلص منها)، ما زال تفاعل العالم بطيئاً مع وباء الإيبولا ولم تجد هيئة الصحة العالمية تجاوباً لميزانية المكافحة المقدرة بستمائة مليون دولار غير مائتي مليون دولار دفع منها بيل قيتس «Bill Gates» خمسين مليون دولار. اهتمام أمريكا بالفيروس أنه في القائمة الأولى خطورة إذا ما استعمل في الحرب البايولوجية وقد وجهت السلطات الأمريكية منذ وقت مركز مكافحة الأمراض الوبائية باتلانتا للقيام ببحوث للتطعيم ضد الفيروس وابتكار علاج للمرضى، وقد نجحت شركة كندية (Tekmira) تعاقدت معها وزارة الدفاع الأمريكية لصناعة دواء (TKM-EBOLA) لعلاج المرض، وقد نجح الدواء في تجربته الأولى بخلوه من الآثار الجانبية وبقيت تجربته في علاج مصابين بالفيروس مما يتيح الوباء الحالي فرصة لتجربة العقار في المرضى في غرب أفريقيا في حالات مماثلة سمحت سلطات الرقابة على الأدوية الأمريكية (FDA) بمثل هذه التجارب كما حدث في عقار المفلوكوين (Mefloquine) لعلاج الملاريا المقاومة لعقار الكلوركوين بعد أن ظهر هذا النوع من الملاريا الخطرة في الجنود الأمريكيين في الحرب في فيتنام. وباء الإيبولا ما زال مشتعلاً وإمكانات الدول المصابة تعجز عن القضاء عليه، فهل تظل دول العالم الغربي والتي تملك الإمكانات في وضع المتفرج؟ وستعاني هذه الدول لأعوام قادمة من كساد اقتصادي بسببه حتى وإن تم القضاء عليه. انهارت الخدمات الصحية تماماً في بعض البلاد المتأثرة، فليبريا والتي خرجت من حرب أهلية طاحنة عزفت الكوادر الطبية من مباشرة عملها بعد وفاة أعداد مقدرة منها مما عرض مرضى من غير الإيبولا (كالملاريا) للموت لانعدام الخدمات الصحية، وفي مناشدة لهذه الدولة اتضح أن عدد الأسرة الموجودة الآن لا تتعدى 250 سريراً والحاجة لأكثر من ألف سرير. يتجه المرضى الآن لعدم الذهاب للمستشفيات والبقاء في قراهم مما سيضاعف انتشار الوباء، وبعد أن توقفت معظم الرحلات الجوية وقفل الحدود وانعدام أساسيات الحياة والعلاج يحس المواطنون في لايبريا بأن العالم قد حكم عليهم بالموت البطيء.