آثر الفريق الهادي عبد الله والي ولاية نهر النيل أن يقول إن تياراً داخل حزبه قد تآمر على برنامجه الإصلاحي، وتجنب الوالي تماماً أن يقول إن المؤامرة ضد شخصه رغم محاولات المحرر المستميتة، بل كان الوالي حريصاً على إيراد كلمة (التنسيق) ضده أكثر من إستدعاء مفردة (التآمر)، لكن جوهر ما جاء في تصريحات الفريق الهادي ليس في إثبات التآمر أو نفيه، أو تفضيل التنسيق على غيره، إن جوهر الأمر خاصة عند ربطه بنا تم في ولايات أخرى هو أن الصراع داخل الحزب الحاكم قد إشتد بعد أن ضعفت الأحزاب المعارضة بسبب عوامل تخصها وأخرى بعمل ممنهج من الحزب المنفرد، ولما خلت الساحة من حزب منافس يصطف المؤتمر الوطني في مواجهته، انتقل الصراع ليكون (وطنياً وطنياً).. أما المسألة الأخطر المستوحاة من تصريحات الوالى فهي أن الفيدرالية في السودان قد أفرزت الحالات العرضية لأي علاج حتى طغت الحالات العرضية على الأثر المقصود من الدواء.. أشير لما كتبه أمس الأستاذ ضياء الدين بلال مشيراً إلى تحذيرات أطلقها الشهيد محمد طه من تطبيق الفيدرالية في السودان، وهي مستوحاة من المفكر محمد أبو القاسم حاج حمد الذي كان يجد تقديراً خاصاً عند الشهيد.. كان الأستاذ حاج حمد مبدئياً في رفض الحكم اللامركزي حتى أنه أسمى التنظيم السياسي الذي أسسه (الحركة السودانية المركزية)، وقد يكون الشهيد محمد طه قد أطلق تحذيراته من منطلق غير رافض من حيث المبدأ للمركزية.. وفي هذه الحالة أو تلك التي تخص حاج حمد، فإن الأمر في أفضل الأحوال يحتاج إلى حذر، ولا يحتمل استرخاء عند تطبيق تجربة تحمل في باطنها أسباب التفتت مثلما تحمل دوافع للتوحد. لا يمكن إعادة السودان بسعته وتنوعه إلى الحكم المركزي كرد فعل لممارسات سالبة، أفرزتها التجربة الفيدرالية الحالية؛ لكن يمكن إعادة النظر في التجربة برمتها، بما في ذلك طريقة اختيار الولاة، بحيث لا يسمح بتكتل قبيلة ما أو محليات محددة فتستأثر بالمنصب دون غيرها من المحليات؛ وفي نظم الانتخابات طرائق عدداً، قد تناسب إحداها مجتمعاً ولا تناسب آخر ، وقد يكون ما يناسب اختيار الولاة في السودان أن يقدم المرشح لمنصب الوالي الفريق العامل معه بحيث يقدم محاصصة كاملة أو شبه كاملة، أو أن تشترط اللائحة الانتخابية حصول المرشح على نسبة محددة كحد أدنى في كل المحليات، وفي طرق الانتخابات حلول كثيرة لتجنب التكتل القبلي أو الجهوي. أعود للفريق الهادي لأقول إن رفض تيار في الحزب الحاكم لبرنامجه لا يعني رفض هؤلاء للإصلاح كما زعم، فالكل يدعي أنه يقدم برنامجاً إصلاحياً والغلبة لصاحب الأصوات الأكثر، ولو بالتنسيق، أو حتى بالتآمر.